الدليل الخامس: تقليد النيابة العامة لصاحب
محضر التحريات في كلمات أو عبارات أنشأها
من عند نفسه، وفي إضافته إياها لأقوال المتهم
الثاني وهي لم ترد على لسانه أصلا
أضافت النيابة العامة كلمات أو عبارة في قائمة أدلة الثبوت نسبتها للمتهم الثاني وهي لم ترد على لسانه إطلاقاً بالتحقيقات !!! وهذه الكلمات تحديداً تقوم عليها جميع الاتهامات في القضية الماثلة، ولذلك فقد رددتها النيابة العامة كثيراً بقائمة أدلة الثبوت، وبالمرافعة الشفهية بجلسة 26/1/2010 وجعلتها مُتممة لجميع الأقوال. وهـذه الكلمات أو العبارات هي: «تمهيـداً لاستهدافهـم» أو« لاستهدافها» أو« للقيام بعمليات إرهابية»!!!
فالقارئ لأقوال المتهم الثاني بالتحقيقات أمام النيابة، أو لما قيل أنه أورى به للمقدم/ سامي إبراهيم، الذي تولـى اعتقاله، والثابت بمحضـر الاعتقال، لا يجد لهذه العبارات أساساً إطلاقا، ولم ترد على لسان المتهم الثاني أصلا، ولكن النيابة وهي تعرض لملاحظاتها بقائمة أدلة الثبوت، وتحديداً في الصفحتين ( 24، 25 ) أضافت هذه العبارات من عندها لأقوال المتهم المذكور مرددة بذلك أقوال الشاهد الأول، العقيد/ أحمد عاطف، صاحب التحريات السرية، بحروفها!! وأقواله ثابتة أيضا ببداية قائمة أدلة الثبوت وبها نفس العبارات الزائدات من عنده، كما تمسكت بها النيابة وأخذت ترددها على أنها ضمن أقوال المتهم الثاني، فكلما تحدث المتهم عن الإسرائيليين أضافت النيابة عبارة لاستهدافهم!! وحيثما تحدث عن السفن الإسرائيلية أضافت النيابـة عبارات لاستهدافهـا أو للقيام بعمليات إرهابية ضدها، هكذا من عندها أو من عند الشاهد الأول، لا فرق بين الأمرين، فكلاهما إضافة مفسدة لأقوال المتهم لا يجوز أن يقع في صنعها مأمور الضبط القضائي ولا النيابة العامة.
وهـذه الكلمات لو لم تقم النيابة بإضافتها من عندياتها ـ أو من عند الشاهد الأول تقليدًا له ـ لأقوال المتهم المذكور، لأصبحت التهم المسندة إليه لا أساس لها ولا سند، ولأصبحت القضية لا وجود لها ولا عَمَـد، وهي، حقيقةً وفعلاً، كذلك. فلا تهمة ولا قضية ولا جريمة لولا هذه الكلمات المضافة بقلم النيابة ولسانها، ومن قبلها بلسان ضابط مباحث أمن الدولة ـ الشاهد الأول ـ فيما سطره بقلمه من تحرياته!!.
القسم الخامس : عدم جدية أو معقوليـة التحريات
وبطلان كل ما ترتب عليها من آثار
(أولا) : الدفع بعدم جدية تحريات مباحث أمن الدولة وبطلانها
هذا الدفعُ، والدفعُ التالي له، كان يجب إبداؤهما في بدايةِ دفاعنا ومرافعتنا عن المتهم الثاني، ولكنَّا آثرنا أن نعرض لهما في النهاية بعد أن نكون تناولنا ما عداهما من أوجه الدفاع، لأن هذين الدفعين يرتكزان على تحريات مباحث أمن الدولة باعتبارها الدليل الوحيد الباقي على إدانة المتهم الثاني، وباقي المتهمين، بعد أن تهاوت جميع الأدلة على نحو ما شرحنا آنفاً.
وهذا الدفع نتناولُ فيه تحريات العقيـد/ أحمد عاطف أحمـد، الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة، التي هي أساسُ القضية الماثلة وعمادها، وهي تحرياتٌ سريةٌ، لم يكشف صاحبها عن مصادرها واحتفظ بها لنفسه، وهذه التحريات جعلتها نيابة أمن الدولة العليا بمثابة شهادة إثبات أولى ورئيسية ضد المتهمين، وعرضت لها بقائمة أدلة الثبوت على رأس هذه الأدلة، وافتتحتها بها.
كما نتناولُ في هذا الدفع أيضًا مذكرة تحريات المباحث التي أُودعت ملف القضية أثناء تداول القضية بالجلسات، وذلك فيما يخص المتهم الثاني / محمد يوسف منصور.
أمَّا الأولى، تحريات العقيد / أحمد عاطف، فقد عرضت النيابة لها في مستهل قائمة أدلة الثبوت على لسان العقيد المذكور، والذي شهد ـ بحصر اللفظ ـ بأنه:
«من نحو ستة أشهر سابقة على شهر نوفمبر عام 2008م وردت إليه معلومات من مصادره السرية مفادها اضطلاع حزب الله اللبناني بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد، مستهدفاً التأثيـر على مقوماتهـا الاقتصادية، وتحريض الجماهير ضد الشرعية تحت ستار دعم المعلومات، وأنه في غضون عام 2005م بدأ المتهمان الأول والثاني (عضوا حزب الله) في وضع البرنامج الحـركي بلوغـاً لأهـداف الحزب الإرهابيـة داخل مصر، حيث كـان من بينها ......... رابعاً: إعداد وتصنيع العبوات المفرقعة وحيازتها بقصد استعمالهـا في تنفيـذ العمليـات الإرهابيـة داخل البلاد مع تهريب جـزء منها عبـر الأنفاق.........، خامساً : رصد وتحديد أعداد الأفواج السياحية المترددة على جنوب سيناء تمهيداً لاستهدافهم بعمل إرهابي، سادساً : استئجار بعض العقارات المطلِّة على المجرى الملاحي لقناة السويس لرصد البوارج الأمريكية والإسرائيلية بقصد استهدافها بعمليات إرهابية، سابعاً : استقبال وإيواء العناصر المتسللة للبلاد عبر الأنفاق وتسهيل سفر بعضهم للبنان لتلقى دورات عسكريـة تدريبية ثم دفعهم داخل البلاد لتنفيذ عمليات إرهابية ....».
وهذه التحريات السرية، التي اعتبرتها النيابة دليل الإثبات الأول واعتبرت صاحبها شاهد الإثبات الأول أيضًا، لا يصح إطلاقاً أن تكون ـ بشكلها السابق ـ وحدها دليـلاً أو قرينـةً على إدانـة المتهمين وثبوت التهم في جانبهم، وذلك لأسباب ثلاثة :
السبب الأول: أن هذه الشهادة وهذه التحريات السرية، التي لم يُفصح لنا العقيد / أحمد عاطف عن مصادرها، ولم يُفِد المحكمة علما بمن أجروها وتوصلوا إليها وكيفية وقوفهم عليها ودلائلهم على ذلـك، وإمساكه في شهادته أمام النيابة بشأنها عند حد القول بأنها «معلومات وردت إليه من مصادره السرية ...» لا تُفيد إطلاقاً في صحة الاتهام المسند للمتهمين، ولا يصحُ أبدا في مجال المحاكمة الجنائية الأخذ بها كدليلٍ وحيدٍ ـ بعد تهاوى باقي الأدلة ـ على القضـاء بالإدانـة، حتى لو لم يُنازع الدفاع فيها، لأنها في النهاية لا تعـدو أن تكون مجرد تعبير عن رأي قائلها ومجريها لا أكثر، ولذلك، فإن الأخذ بهــا ـ في هذه الحالة ـ يكون اعتناقاً من القاضي الجنائي لرأيٍ وعقيدةٍ خاصين بسواه، تدخل فيهما الأهـواء، ويُصيبُهمَا الشَطَطُ والمُبَاَلغةُ، وهذا محرمٌ في المحاكمات الجنائية، ولذلك استقر قضاء النقض على أنه:
«وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينةً معينةً أو دليلا أساسيا على ثبوت التهمة. ولما كان الثابت أن ضابط المباحث لم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفة ما إذا كان من شأنها أن تؤدي إلى صحة ما انتهي إليه، فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان، والصدق والكذب، إلى أن يعرف مصدره، ويتحدد كنهه، ويتحقق القاضي منه بنفسه، حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل، ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وإنتاجه في الدعوى أو عدم إنتاجه، وإذ كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها رأي محرر محضر التحريات، فإن حكمها يكون قد بني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه، لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها، فإن ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه، بما يتعين معه نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي ما يثيره الطاعن في طعنه» [ نقض 17/3/1983، مج سنة 34، القاعدة رقم 79، ص 39؛ ونقض 18/3/1968 مج سنة 19، القاعدة رقم 62، ص 334 ].
السبب الثاني: أن هذه الشهادة وهـذه التحريـات السرية ليس فيها أي قدر من الجدية، وغير مقبولـة عقلا أو منطقاً، لأنه وحسبما هو ثابتٌ بنصها كما عرضنا لها آنفاً على لسان صاحبهـا، العقيـد / أحمد عاطف، أنه «ومن نحو سـتـة أشهر سابقة على نوفمبر عام 2008م ...... وَرَدَتْ إليه معلومات من مصادره السرية تفيد بأن حزب الله يخطط للقيام بعمليات إرهابية داخل البلاد، وأن هذه العمليـات تتـم على عدة أصعـدة، منها تصنيع المتفجرات، واستهداف السائحين، واستهداف السفن والبوارج الإسرائيلية في قناة السويس، وتهريب بعض العناصر داخل البلاد للقيام بعمليات إرهابية ... إلخ». والسؤال الذي يطرح نفسه على الأذهان، هنا، هو: إذا كانت هذه التحريات جدية وصادقة، وإذا كانت قد وردت لصحابها قبل سـتـة شهور سابقة على شهر نوفمبر من عام 2008م، وهو الشهر الذي شَهِدَ اعتقال المتهمين، فلماذا سكت العقيد المذكور طوال سـتـة أشهر كاملة ؟!!
ولماذا انتظر جهاز أمن الدولة كل هذه المدة ـ ستة أشهر كاملة ـ وهو يعلم أن هناك من يخطط للقيام بالعمليات الإرهابية المذكورة ؟!!
وهل كان جهاز أمن الدولة ينتظر كل هذه المدة حتى يقـوم المتهمون بعملية أو عمليات إرهابيـة مما اضطلعوا به حسب التحريات المذكورة ؟!!
هل كان ضابط أمن الدولة ينتظر أن تتم عمليات تفجيرية بالبلاد، وأن تُفَجِّرَ السفن والبوارج بقناة السويس، وأن يُقتَلَ السائحـون الأجانب بجنوب سيناء، وأن يُخرب اقتصاد البلاد، وأن يتم تحريضُ الجماهير ضد الشرعية القائمة، وأن يَعيثَ المتهمون في الأرض فسادا وتقتيلا وتفجيرا حتى يتم القبض عليهم واعتقالهـم ؟!! هل كان ضابط أمن الدولة ينتظر ذلك كله ؟!! بالطبع لا. فما هي الحال إذن؟؟
الحال ـ سيدي الرئيس ـ أن التحريات لا جدية فيها، ولا صحة لها من الأساس، وبالتالي لم يكن هناك خوف من قيام المتهمين بشيء من هذه العمليات الرهيبة، ولم يكن هناك أي توجُّسٍ أو قلق من ترك المتهمين طوال ستة أشهر كاملة دون القبض عليهم ؟!! هذا هو الصحيح الذي لا يصح سواه، لأن صاحب التحريات، ومن يشرفون على عمله، علموا علمًا يقينيًا أن هؤلاء المتهمين كل عملهم، بغير استثناء، موجه نحو العدو الصهيوني لا نحو غيره. وليس في ذلك شيء يمس الأمن المصري، دخل أم لم يدخل في نطاق التجريم المنصوص عليه في مادتي الإحالة الرئيسيتين: 86 و86 مكررا ج من قانون العقوبات.
السبب الثالث: أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، بحيث إذا سقط أحدها تهاوى الاتهام برمته، وعلى ذلك استقر قضاء محكمة النقض بلا خلاف، وحيث إن جميع الدلائل السابقة قد ثبت من قبل تهاويها وسقوطها الواحد تلو الآخر، بحيث لم يبق إلا هذا الدليل المتعلق بهذه الشهادة وتلك التحريات، فإنه لا ينهض بذاته ـ على أي وجه ـ بحيث يكون دليلاً وحده على الاتهام المنسوب للمتهمين.
وفي هذا المعنى استقر قضاءُ محكمة النقض، على أنَّ:
«الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكونُ عقيدةُ المحكمة فإذا استبعد أحدها تعذر التعرف على أثر ذلك في الرأي الذي انتهت إليه» [نقض 28/3/1985، مج سنة 36، القاعدة رقم 38، ص 500].
وإذا كانت تحريات الشاهد المذكور، العقيد/ أحمد عاطف، المبنية على معلومات مصادره السرية التي لم يفصح عنها لا ترقى إلى مرتبة الدليل الذي يصح أن تنبني عليه الإدانة، فإن الطبيعة القانونية لهذه التحريات لا تختلفُ، سواء وَقَفَ الأمر عند حد تسطيرها في محضر أو تَعدَّاهُ إلى قيام صاحبها بترديد مضمونها أمام سلطة التحقيق أو أمام المحكمة، إذ هو لا ينقلبُ في هذه الحالة شاهد إثباتٍ بالمعنى الدقيق، لأن العبرة هي بمضمون ما يشهد به، سواءٌ أحلف اليمين أم لم يحلفها، وهذا ما استقرت عليه محكمة النقض بمثل قولها «إن التحريات وأقوال من أجروها لا تعدو أن تكون قرينة لا تنهضُ بمجردها دليل إدانة.» [ نقض 1/11/1995، مج سنة 46، القاعدة رقم 170، ص1134].
وأمَّا الثانية، مذكرة التحريات الخاصة بالمتهم الثاني تحديداً، التي أُودعت ملف القضية في أثناء الجلسات، والتي جاء بها أن:
« المذكور من العناصر النشطة المتحركة التي تنتمي لتنظيمٍ سرى محظور بالمخالفة لأحكام القانون والدستور ويعتنق أفكارا متطرفة يقوم على استغلال الدين كستار لممارسة نشاطه المؤثم وممن يضطلعون بالتخطيط والتدبير لتنفيذ العمليات الإرهابية (سطو / اغتيالات / تخريب / تعدى) .
ـ وأنه سبق رصد انتهاجه لأسلوب العنف في فرض سطوته ونشر فكر التنظيم والترويج له في محيط مخالطيه والأوساط الجماهيرية من منطلق مفهومه الخاطئ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهدف استقطاب عناصر جديدة لصالح التنظيم .. ومشاركة هذه العناصر لقاءاتهم ومخططاتهم الهدامة بهدف زعزعة الاستقرار والأمن العام ونظام الحكم».
فإن ما قلناه آنفاً بشأن التحريات السرية الأولى، تحريات العقيد/ أحمد عاطف، ينطبق تمام الانطباق على هذه التحريات أيضًا، من حيث كونها هي الأخرى سرية، ولا تصلح كدليلٍ على الإدانة بعد تهاوى جميع الأدلة الأخرى.
لكن هذه التحريات زادت الطينَ بِلةً، وجاءت بما لم يأت به الأولون والآخرون!!
فالمستقرئ لهذه التحريات يقطع بأنها لا تخص المتهم الثاني محمد يوسف منصور،
وبأنها تحريات عبثية هزلية،
وبأنها تحريات باطلة لا أساس لها إلا خيال جامح لا يحده حدٌ؛ أو أن تكون المذكرة التي تضمنتها نموذجًا روتينيًا معدًا على بياض يقدم خبط عشواء في كل حالة يراد فيها اعتقال شخص لأي سبب كان، أو بغير سبب على الإطلاق. لأنه لا يقبل المنطق ولا يستسيغُ العقل ـ إذا عرف صاحبهما حقيقة انتماء المتهم الثاني ـ ما ذهبت إليه مذكرة التحريات هذه، إلا أن يجيب مجريها وكاتب سطورها عن الأسئلة الآتية:
ـ ما هو التنظيم السري المحظور المذكور فيها؟! وعلى أي أساسٍ هو محظور ؟!
ـ وإذا كان يقصد حزب الله فهل هو محظور في مصر أم محظور في لبنان؟ وما الأساس القانوني لهذا الحظر؟
ـ ولماذا هو مخالف لأحكام القانون والدستور ؟! وقانون ودستور أي دولةٍ يقصد ؟!
ـ وإذا كان يقصد تنظيم حزب الله ؟! فهل هذا التنظيم مؤسس على خلاف القانون والدستور المصري ؟! وما علاقة حزب الله بالقانون والدستور المصري ؟!
ـ وكيف وَقَفَ مُجري هذه التحريات على أن المتهم الثاني من العناصر النشطة ؟!
ـ وكيف حَكَمَ مُجرى هذه التحريات على فِكرهِ بأنه فكرٌ متطرفٌ ؟!
ـ وهل سبق اتهامه في عمليات سطو ؟!
ـ وهل سبق اتهامه في عمليات اغتيالات ؟!
ـ وهل سبق اتهامه في عمليات تخريب ؟!
ـ وهل سبق اتهامه في عمليات تعدىٍ ؟!
ـ وهل يمكن لمُجري هذه التحريات أن يُطلعنا على هذه العمليات أو يعطينا بيانًا رسميًا بها؟!
ـ وكيف سبق رصد انتهاجه لأسلوب العنف في فرضه سطوته ونشر فكر التنظيم والترويج له ؟!
ـ وما مصدر هذه السطوة؟ هل المتهم الثاني من معتادي ارتكاب جرائم (البلطجة) حتى يكون ذا سطوة تُفرض على الناس؟
ـ وهل سبق اتهامه في جريمة من جرائم العنف من أي نوع ؟!
ـ وماذا يقصـد بمحاولة المتهم المذكور نشر فكر التنظيم المحظور في محيط مخالطيه والأوساط الجماهيرية ؟!
ـ وماذا يقصد تحديداً بمحيط مخالطيه والأوساط الجماهيرية ؟!
ـ هل يقصد بذلك مصر ؟ أم لبنان ؟!
ـ وكيف قرر مُجرى هذه التحريات أن مفهوم المتهم الثاني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفهومٌ خاطئ ؟! وما هو المفهوم الصحيح إذاً ؟!
ـ وما هو مصدر هذه التحريات والمتهم الثاني ليس مصرياً ولكنه لبناني؟!
ـ وهل أمدته بهذه التحريات مصادر تعمل لحساب مباحث أمن الدولة اللبنانية؟!
ـ أم عناصر تعمل لحساب مباحث أمن الدولة المصرية ؟!
ـ أم عناصر تعمل لحساب جهة ثالثة تريد لهذه الأمة، وشعوبها كافة، أن تقيم على المذلة والهوان، وأن ترضى بالعيش تحت مظلة الاحتلال الباطل الظالم المتجبر؟؟!!
ـ وإذا كان جميع الشهود الذين تضمنتهم تحقيقات النيابة والذين جاءت بهم وتعرفوا على المتهم الثاني، والذين منهم من أقام المتهم الثاني بجواره، أو في شقة بعمارته، أو تعامل معه، هؤلاء كلهم ليس في أقوالهم جميعاً كلمة واحدة مما جاءت به مذكرة التحريات هذه، فمن أين جاء صاحب هذه التحريات بهذه التحريات ؟!
ولذلك لم يكن عجبًا أن تلك التحريات الهزلية قد قُدمت إلى المحكمة الموقرة خلوا من أي توقيع أو خاتم أو تاريخ أو جهة صدرت عنها، وإنما هي مجرد ورقة لا قيمة لها، وقد أثبت الدفاع عن المتهم الثاني تعليقه هذا على هذه التحريات أمام الهيئة الموقرة، كما هو ثابت بمحضر جلسة 30/12/2009.
ثانياً : الدفع ببطلان إجراءات المحاكمة
لبطلان أمر اعتقال المتهم الثاني، وباقي المتهمين،
لقيامه على أسباب وتحريات باطلة وغير جدية ابتداءً
وهذا الدفع يجدُ أساسه فيما سبق شرحـه من أسبـابٍ لبطـلان تحريات العقيد / أحمد عاطف، الضابط بمباحث أمن الدولة، التي استشهدت بها نيابة أمن الدولة العليا على إدانة المتهم المذكور، وعرضت لها في بداية قائمة أدلة الثبوت بما مفاده أنها هي الدليل الرئيسي والأول ضد المتهم الثاني في هذه القضية، وضد سائر المتهمين كذلك.
فأمر الاعتقال الخاص بالمتهم الثاني، صدر بلا ريب، من السيد/ وزير الداخلية، بناءً على معلوماتٍ وتحريات وردت إليه، مفادها أن المتهم المذكور، يَجِبُ اعتقاله فورا وتفتيش شخصه ومنـزله، إذ لا يُعقل أن يكون السيد / وزير الداخلية قد أصدر قرار الاعتقال هذا بناءً على رغبةٍ شخصيةٍ لديه، أو هوىً في نفسه يُلح على إرضائه، لأن السيد / وزير الداخلية لا يعرفُ هذا المتهم تحديدًا معرفة شخصية، وليس بينه وبين المتهم المذكور شيء مما يوغرُ الصدور، فلم يبْق إلا أن قرار السيد / وزير الداخلية باعتقال المتهم الثاني وتفتيش شخصه ومسكنه واحتجازه في مكانٍ آمن (كما ورد في القرار نصًا) كان قرارا مسببا ومرتكزا على تحريات ومعلومات وردت إليه من أجهزة الأمن المعنية.
وهذه التحريات والمعلومات، التي بسببها صدر قرار الاعتقال، هي تلك التحريات التي جاء بها العقيد / أحمـد عاطف، الضـابط بجهاز مباحث أمن الدولة، من مصادره السرية، وهذه التحريات، كما شرحنا من قبل، باطلة لسببين:
أولهما، أن صاحب هذه التحريات لم يفصح عن مصدر هذه التحريات حتى تتمكن المحكمة من الوقوف على مدى صحتها، وبالتالي فهي لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها.
وثانيهما، أن هذه التحريات غير جدية وغير مقبولة عقلا ولا منطقا، وغير مبنية على أساس مهما يكن وصفه. ومن هنا فإن القرار الصادر بناءً عليها باعتقـال المتهم المذكور، وتفتيشه وتفتيش منـزله أصبح قرارا باطلا هو الآخر، عملا بالقاعدة الأصولية، المتفق عليها، التي تقرر أن: «ما بني على باطل فهو باطل».
وقرار الاعتقال الذي صدر بناءً على هذه التحريات الباطلة غير الجدية، ترتبت عليه جميع إجراءات المحاكمة في القضية الماثلة، التحقيق وأدلة الثبوت والإحالة واتصال المحكمة الموقرة بالقضية وما تلاها من جلسات حتى اليوم، وبالتالي فإن جميع إجراءات المحاكمة المذكورة انسحب عليها البطلان هي الأخرى، باعتبار هذه الإجراءات جميعها من الآثار الجوهرية المترتبة على قرار الاعتقال الباطل ابتداءً، عملا بما نصت عليه المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية، من أنه:
« يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري».
والمادة 336 إجراءات جنائية بنصها، على أنه:
« إذا تقرر بطـلان أي إجـراء فإنه يتنـاول جميع الآثار التي ترتبت عليه مباشرةً، ولزوم إعادته متى أمكن».
كما استقر قضاءُ النقض على أنه:
«من المقرر أن بطلان القبض لعدم مشروعيته ينبني عليه عدم التعويل في الإدانة على أي دليل يكون مترتباً عليه، فإبطال القبض على الطاعن لازمه بالضرورة إهدار كل دليل انكشف نتيجة القبض الباطل وعدم الاعتداد به في إدانته، وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد فيها دليلٌ سواه، فإنه يتعين الحكم ببـراءة الطاعن عملا بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ...» [نقض22/3/1995، في الطعن رقم 1741 لسنة 63ق].
وتواتر عن المحكمة مثل قولها:
«للقاضي الجنائي أن يكون عقيدته من أي عنصر من عناصر الدعوى إلا إذا كان هذا العنصر مستمدا من إجراء باطل قانونا» [ نقض 19/2/1934، في الطعن رقم 40 لسنة 4ق]
لما كان ذلك، وكانت جميع إجراءات المحاكمة الماثلة أثراً مباشراً من آثار قرار الاعتقال، وقد صدر الأخيرُ باطلا لابتنائه على تحرياتٍ هي في الأساس غير جدية، بل وباطلة، فإن لازم ذلك بطلان إجراءات المحاكمة برمتها، والقضاء ببراءة المتهم الثاني مما هو منسوبٌ إليه، ولا ريب في انطباق هذا الدفع في شأن سائر المتهمين.
ولا يقدحُ في ذلك كون قرار الاعتقال، طبقاً لنص المادة 3/أولاً من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، لا يتقيدُ بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، لأن هذا الأمر يَصِحُ لو أن عملية الاعتقال هذه توقفت عند هذا الحد، أي توقف الأمر فيها عند حد الاعتقال دون الوصول إلى المحاكمة الجنائية بإجراءات لم تكن لتتم لولا قرار الاعتقال الباطل. أَما وأن الأمر قد تجاوز الاعتقال إلى محاكمة المتهم المذكور محاكمة جنائية كاملة، طبقاً لنصوص الدستور وقانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات وغيرها من القوانين والقرارات، فإن إعمال نصوص هذه القوانين يكون واجباً وحتماً مقضياً، خاصةً وأن الدليل الوحيد في هذه المحاكمة، تحريات العقيد / أحمد عاطف، كانت قبل قرار الاعتقال، بل إن الأخيـر صدر بناءً عليها، وهذا الدليل مطروح الآن أمام المحكمة الموقرة، وتملك أن تأخذ به أو تهدره، وقد بيَّنا من قبل أسباب بطلانه، ولذلك فإن كل ما ترتب عليه باطل.
القسم السادس : التعليق على مرافعة النيابة
بجلسة الثلاثاء، الموافق 26/1/2010م، أنهت النيابة العامة مرافعتها في القضية الماثلة، وقد كانت هذه المرافعة سياسية في المقام الأول، ظنيَّة وافتراضية في المقام الثاني، دينية في المقام الأخير.
وتعليقُ الدفاع على هذه المرافعة هو جزءٌ أصيلٌ من مرافعته ودفاعه عن المتهم الثاني، وباقي المتهمين، لأن النيابة ألقت تهمًا، وأسندت أفعالا للمتهم الثاني، في هذه المرافعة، وبالتالي فإن حق المتهم وحق دفاعه في الرد على ذلك هو حقٌ أصيلٌ، لا يجوز مصادرته أو الحيلولة بين الدفاع وبينه.
وتعليقُ الدفاع على هذه المرافعة يبدأُ بما وصفها به في مطلع دفاعه من كونها مرافعةً سياسيةً في المقام الأول، لأن النيابة فيها خرجت بالقضية تماما عن طريقها القانوني، وارتكزت فيها على ما لم يرد نصا ولا ضمنا في أوراق القضية البالغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة !! فألفيناها ـ أي النيابة ـ في هذه المرافعة وقد تحدثت عن العدو، ولم تقل من هو ؟! وعن الدولـة الأجنبية، ولم تصرح باسمها ؟! وعن زعماء الأحقاد والفتن، ولم تبين قصدها ؟! وعن الخطاب الشهير، ولم تبلغنا عن ماهيته وفحواهُ وقائلهُ والهدف منه ومدى أهميته في القضية والإشارة المستفادة من الحديث عنه ؟! كما تحدثت النيابة عن تحريض الجماهير ضد الشرعية، دون بيان المُحرِّض وعبارات التحريض وألفاظه؟! وعن أن مصر لم ولن تتخلى عن مسؤوليتها ودورها، ولم تطلعنا على من زعم أن مصر تخلت عن مسؤوليتها ودورها ؟! بل لم تفهمنا أية مسؤوليةٍ وأيَّ دورٍ تتحدث عنهما؟!
والأهم من ذلك، أن النيابة لم تبين لنا من أين أتت بكل هذه الأفعال
والأقوال والعبارات السياسية الرنانة التي لا ظل لكلمةٍ واحدة
منها في أوراق القضية التي زادت على ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة ؟!
نعم، ليس في أوراق القضية قاطبةً ظلٌ لأي كلمة مما قالته النيابة وأوردناه آنفا. وما دامَ الظلُّ ليس موجوداً فالأصلُ مُنتفٍ ابتداءً، ولكن ذلك لا يخلو من ثمة فائدة أو إشارة من نوعٍ ما .
فحديثُ النيابة عن العدو وعن زعماء الأحقاد والفتن وعن تحريض الشعوب ضد الشرعية وعن تخلي أو عدم تخلي مصر عن دورها ومسؤوليتها، وعن الخطاب الشهيـر؛ حديثٌ لا علاقة له ـ قانوناً ـ بقضيتنا الماثلة، فضلاً عن أنه مُجهَّلٌ تماماً !! ولكن الواضح أن المتهمين يحاكمون بناءً على هذا الحديث، ويحملون وزر خـلافٍ سياسي بين القيادة المصرية وبين الدولة الأجنبية المزعومة، التي أشارت إليها النيابة في مرافعتها دون أن تصرح باسمها ! وهذا ما أحجمت النيابة عن تسطيره بقرار الإحالة أو قائمة أدلة الثبوت، لأنها تعلم جيـداً أنه لا دليـل عليه من الأوراق أو الأقوال، ولكنها لـم تَتَحَرَّجْ من الحديث عنه في مرافعتها الشفهية!!
الخلاصة أن النيابة العامة قدمت المتهم الثاني للمحاكمـة الجنائية استناداً لخطابٍ وصفته بالشهير، ولا ظلَّ له في الأوراق !!
واستناداً لاعتقادٍ بأن زعماء الدولة الأجنبية المقصودة من مرافعة النيابة زعماءُ أحقادٍ وفتن، ولم تصرح أصلاً باسم تلك الدولة الأجنبية !!
واستناداً لزعمٍ بأن حزب الله خطط لتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد مستهدفاً الاقتصاد وتحريض الجماهير ضد الشرعية، ولم تعطنا دليلاً واحداً على هذا التحريض !!
وهذه جميعا في عرف القانون، ونظر الشارع، افتراضاتٌ وظنون لا ترقى لحمل الاتهام، فضلاً عن أنها، جملة وتفصيلا، كلام مرسل مجهل يعوزه الدليل والإفصاحُ والبيان. وهذا في مقام الدليل الجنائي والمحاكمة الجنائية يعد ضرباً من العبث غير المقبول، وهو في التعبير السوداني الدارج يقال له «كلام ساكت»!!، لأن الجرائم التي نحن بصددها، المنسوب للمتهمين ارتكابها، لا يجوز إثباتها دون دليلٍ جازم ينبسطُ على عناصرها جميعاً، ولا يجوز كذلك افتراض ثبوتها ـ ولو في أحد عناصرها المادية أو المعنوية ـ من خلال مزاعم وخطبٍ سياسية تُنشِئُهَا النيابة العامة، باعتبارها سلطة اتهام، اعتسافًا. ودون وجود ذلك الدليل، المستعصي على التفنيد والدحض، تصبح المحاكمة الجنائية عبثًا، والحكم الذي يصدر بالإدانة فيها عرضةً للميل والشطط.
من ذلك ما عرضت له النيابة في مرافعتها بقولها «إن ما جاء على لسان المتهم الثاني من أن المتهم الأول أبلغه أن قيادة الوحدة 1800 لم توافق على طرحه (طرح المتهم الأول لا المتهم الثاني) بشأن القيام بأعمال عدائية ضـد الإسرائيليين في مصر ورفض قيادة حزب الله لذلك رفضا تاما». وتعليقها ـ أي النيابة ـ على ذلك بقولها إن هذا من المتهم الثاني زعمٌ مفضوحٌ، ولا يعدو أن يكون عدولا لاحقًا عن الجريمة بعد التخابر وجمع المعلومات وتمام الجريمة، وقولها إن هناك اعترافات لاحقة تدل على كذب هذه المقولة وتدل على استمرار المتهم الثاني في العمل الإرهابي !!
فهذا دليلٌ ساطعٌ على أن النيابة أقامت اتهامها على افتراضاتٍ وظنونٍ لا أساس لها، ولا مجال للاستناد إليها في المحاكمة الجنائية. لأن تعليق النيابة السابق يحملُ تفسيرين متناقضين تمام التناقض، بما يعني أن أحدهما على الأقل افتراضٌ وتخمين، فإمَّا أن يكون ما جاء على لسان المتهم الثاني عدولا لاحقًا عن الجريمة، وإمَّا أن يكون المتهم المذكور كاذباً ومستمراً في جريمته، فلا يستقيم العدول عن الجريمة مع الاستمرار فيها، كما لا يستقيم أن يتلقى المتهم الثاني أمراً من قيادته متمثلة في حزب الله بالنهي عن القيام بعمليات عدائية على الأراضي المصرية، ثم يُصِّر المتهم الثاني على القيام بهذه الأعمال، لأن هذا معناه أن المتهم الثاني غيرُ تابعٍ لحزب الله، وغير متخابرٍ مع حزب الله، وغير عابئٍ بأوامر قيادة حزب الله، بما ينفي عنه تهمة التخابر من أساسها في هذه الحال.
ولذلك فإن دفاع المتهم الثاني في حيرةٍ من أمره بعد مرافعة النيابة العامة وما عرضنا له آنفاً منها، لأن الدفاع أصبح لا يعلم ما إذا كان المتهم الثاني عَدَلَ لاحقا عن الجريمة وامتثل لأوامر قيادته في حزب الله ؟! أم أنـه لازال مُصِّرا على المضي قدما فيها ضارباً بأوامر قيادته عُرْضَ الحائط ؟! وإذا كانت الأولى، العدول اللاحق عن الجريمة، فهل لازال المتهم الثاني متهماً بنفس الاتهامات الثابتة بأمر الإحالة، خاصة وأن النيابة العامة في مرافعتها زعمت أن معظم الأفعال المنسوبة للمتهم أتاها بعـد هذا العدول اللاحق ؟! وإذا كانت الثانية، فهل لازال المتهم متهماً بالتخابر والسعي لدى حزب الله الذي لم يمتثل لأوامره وضَرَبَ بها عرض الحائط ؟!! لا جدال في أن صورة الاتهام برمته مضطربة في ادعاء النيابة العامة كما تبين في مرافعتها، كما كانت من قبل مُشوشة وغير ثابتة في أمر إحالتها.
من ذلك أيضًا ما تحدثت عنـه النيابـة بقولها «إن ما كان في باطن المتهمين ويخفونه في صدورهم أكبر !!!»، ثم تعقيبهـا على سريـة المقابلات واللقاءات بين المتهمين بقولها «إن السرية تنبئ عن سوء القصد !!!»،
فالنيابة تتحدث عن بواطن المتهمين، وصدورهم، وعن أن السرية تنبىء عن سوء القصد والتخطيط لأعمالٍ إرهابية، وهنا لنا أن نتساءل: إن كان الأمر كذلك فما رأي النيابة العامة في مبدأ سرية المداولة القضائية ؟!! وهل عندما يختلي القضاة بأنفسهم في غرفة المداولة ويُسِرُّون بينهم مداولةً حول القضية التي ينظرونها يكونون سيئي القصد ؟! وما هو النص العقابي الذي يحاسب الناس على ما في صدورهم وبواطنهم؟!!
ومن ذلك أيضًا، ما افترضته النيابة من أن تصنيع المتفجرات والاحتفاظ بجزءٍ منها ـ بعد تهريب الجزء الأكبر للأراضي المحتلة ـ كان بهدف القيام بعمليات إرهابية على الأراضي المصرية، وما افترضته بقولها إن المتهمين الأول والثاني والسادس توجهوا لمدينة فايد لمعاينة وحدات سكنية لرصد السفن وكيفية استهدافها والهروب من مكان الحادث .
ففي الأولى افترضت النيابة أن الاحتفاظ بجزء من المتفجرات كان بهدف استخدامها في عمليات إرهابية داخل البلاد.
وفي الثانية افترضت أن معاينة الوحدات السكنية بمدينة فايد كان لاستهداف السفن والوقوف على طريقة، أو طريق، الهروب من مكان الحادث!!
وهذان الافتراضان لا يقومان على دليلٍ يقيني واحدٍ من الأوراق أو اعترافات المتهمين أو التحقيقات بطولها وعرضها، فلا توجد كلمة واحدة في أقوال المتهمين أو شهادة الشهود تشير ـ مجرد إشارة ـ إلى صحة هذين الافتراضين أو أحدهما، أو تشير إلى أنهما ليسا افتراضين وإنما دليلان لهما ما يدعمهما ويرتكزان عليه من الأوراق والتحقيقات، وهذا كله يقطع، في النهاية، بأنهما افتراضان من صنع النيابة ووحي إرادتها إثبات الاتهام وهو غير ثابت، وتسويغه وهو لا يسوغ، وإلباسه ثوب الواقع الصحيح وما هو إلا خيال في خيال.
إن التفسير الوحيد لاحتفاظ المتهمين بجزءٍ من المتفجرات داخل البلاد لا يخرج عن كون عملية تهريب هذه المتفجرات لفلسطين كانت تتم على مراحل، أو على أجزاء، وما يُدَّعِمُ ذلك أنها كانت تتم سراً وخفية عن أعين السلطات المصرية، وبالتالي فليس من الحكمة أو من المنطق أن تتم عملية تهريب المتفجرات كلها مرة واحدة، حتى إذا أخفقت العملية أو ضُبطت، كما ضبطت السفينة (آتوس) في الجزائر وكما أخفق اليخت (الحظ السعيد) في رحلته الثانية إلى ليبيا، فُقِدَتْ المتفجرات دفعة واحدة. كما أن تهريبها على مراحل يجعل الأمر أكثـر سهولة ويسرًا، ويجعل القائمين على أمر التهريب أكثر خفة، وكل ذلك يَزيدُ من فرص نجاح عملية التهريب. هكذا يقول المنطق الذي لا يخفى على متابع للعمل السري، كما كان الرئيس جمال عبد الناصر يتابعه عندما كان يقوم به رجال المخابرات المصرية الأبطال.
ومعاينة المتهمين، الأول والثاني والسادس، لوحداتٍ سكنية بمدينة فايد لرصد السفن العابرة في قناة السويس، لا يمكن أن يكون بغرض استهدافها والهروب بسهولة من مكان الحادث، كما ذهبت إليه النيابة، لأن من ينوي القيام بعمل إرهابي في منطقةٍ ما ليس من الحكمة مطلقاً أن يشتري منـزلاً في هذه المنطقة تحديداً، ويقيمُ فيها إقامة كاملةً، ويتعرف على قاطني هذه المنطقة ويعرفونه جيداً، حتى إذا ما قام بعملٍ إرهابي سَهُلَ عليهم معرفته وإيجاده !! ولكن المنطق يقطع أن يكون الرصد في هذه الحالة لمعرفة عدد السفن الخاصة بالعدو، والعابرة لقناة السويس، ومعرفة حمولتها ومئونتها، والوقوف على خط سيرها بعد ذلك وهي في طريقها لإسرائيل عبر البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط، ومعرفة الموانئ التي سترسـو عليها في البحر المتوسط، ونقصدُ هنا الموانئ الإسرائيلية، الإسرائيلية دون غيرها !!
وهذان التفسيران، وإن لم يوردهما على هذا النحو أحدٌ من المتهمين بالتحقيقات، إلا أن أحداً من المتهمين أيضًا لم يقل بخلافهما مما قد يتشابه مع الافتراضين المقابلين لهما بمرافعة النيابة. ولم تأتِ التحقيقات بما يُرشِّحُ لصحة افتراضي النيابة فيهما. ولذلك، ونحن في مقام الدليل المعتبر في المواد الجنائية، لا مناص من إهدار افتراضي النيابة المذكورين، والأخذ بتفسيري دفاع المتهم الثاني المقابلين، الصحيحين في الواقع بلا مراء. وذلك هو شأنُ كلٍ افتراضٍ افترضته النيابة، وعرضنا له آنفاً، لا مناص من إهداره، لأن الفرض احتمال وما يدخله الاحتمال لا يصح به الاستدلال. ومن هنا جاءت قاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم المبنية على قاعدة البراءة الأصلية، قاعدة البراءة المقررة بمقتضى نص المادة 67 من الدستور، في فقرتها الأولى، بقولها:
«المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه...» بل إن هذا الأصل مقرر ولو لم ينص عليه في دستور ولا قانون.
وهذا هو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية العليا بقولها:
«إن افتراض براءة المتهم لا يعـدو أن يكون استصحابا للفطرة التي جُبِلَ الإنسانُ عليها، وشرطا لازما للحرية المنظمة يكرسُ قيمها الأساسية التي لا يتصور أن تنفصل عنها الجماعة، وهو كذلك وثيق الصلة بالحق في الحياة، وبدعائم العدل التي تقومُ على قواعدها النظم المدنية والسياسية جميعها، ومن ثم كان أصلُ البراءة جزءًا من خصائص النظام الاتهامي، لازمًا لحماية الحقوق الرئيسية التي كفلتها المادة 67 من الدستور لكل متهمٍ، مرددةً بها نص المادة ( 11 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الثانية من المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بما مؤداه أن هذه البراءة لا يجوزُ تعليقها على شرطٍ يحولُ دون إنفاذ محتواها، ولا تعطيلها من خلال اتهامٍ يكون متهاوياً، ولا نقضها سواء بإعفاء النيابة من التزامها بالتدليل على صحة اتهامها أو عن طريق تدخلها هي أو غيرها للتأثير دون حقٍ في مسار الدعوى الجنائية ومحصلتها النهائية. بل إن الإخلال بها ـ وباعتبارها مبدءًا بديهيا ـ يُعد خطأً لا يغتفر مستوجبًا نقض كل قرارٍ لا يتوافق معها» [المحكمة الدستورية العليا، 3/1/1998 في القضية رقم 29 لسنة 18 ق«دستورية»، مجموعة أحكامها، ج 8 ص 1042].
ولا يفوت الدفاع التأكيد على أن أوراق القضية برمتها جاءت خالية تماماً من أي دليلٍ يمكن أن يفيد أن المتهمين كانوا بنشاطهم المذكور ينتوون القيام بعمليات إرهابية أو عدائية على الأراضي المصرية.
لا ينالُ من ذلك مجرد رصد السائحين الصهاينة في الترابين ورأس شيطان، لأن رصدهم كان بهدف التعرف عليهم والتقرب منهم، عسى أن يكون من بينهم من يفيد بشكلٍ من الأشكال في عمليات المقاومة داخل إسرائيل وخارجها، ويدل على ذلك أن رصدهم كان عن طريق التعرف عليهم والحصول على أرقام هواتفهم ومعرفة عناوين بريدهم الإلكتروني للتعارف والتقارب والإفادة، لأن من ينوي أن يقتل أو يستهدف جماعةً ما دون تمييزٍ بين أفرادها لا يُفيدهُ بحالٍ من الأحوال معرفة أرقـام هواتفهم أو عناوين بريدهم الإلكتروني والتواصل معهم، هذا هو حكم المنطق الواقعي المعقول.
ولا ينال من ذلك، فضلا عما سلف كله، ما قاله المتهم الثامن في جلسة 26/1/2010، وتلاه الزميل الفاضل المحامي العام الأول قبل بدء مرافعته، فهو كله كلام لا يصح، والتعويل عليه لا يفيد في إثبات التهمة ولا نفيها، والطلب الذي من أجله قال المتهم المذكور كلامه وأرسل رسالته إلى السيد/ رئيس نيابة أمن الدولة العليا (معاملته بمقتضى مبادرة نبذ العنف) في غير محله، فهو ليس عضوا في تنظيم يتخذ العنف وسيلة للتغيير بغير حق، وهو عَمِلَ مقابل مالٍ تقاضاه، كما قرر في تحقيقات النيابة العامة، في جمع معلومات لا في اعتداء على أشخاص أو جهات أو مبانٍ...إلخ. وأيًا كان القول في دافعه إلى ما قاله بجلسة 26/1/2010 فهو لا تأثير له على موقف غيره من المتهمين من أي وجه كان هذا التأثير.
يؤكد ذلك كلَّه أقوالُ اثنين وعشرين متهماً وشهادةِ خمسة وعشرين شاهداً وأكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، هي كل ما حواه ملف هذه القضية المثقل، لم تأت جميعها أو إحداها بكلمة واحدة يمكن أن تكون دليـلا على أن المتهمين كانوا يخططون للقيام بعمليات إرهابية وعدائية على الأراضي المصرية. ليس في ذلك كلمة واحدة يمكن الأخذ بها ـ ونحن في مقام الأدلة الجنائية المعتبرة ـ لتكون دليلا واحدا على انتواء المتهمين هذه النية الآثمة.
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين الأجلاء..
بقي للدفاع كلمات قصار يحاول بهن أن يوضح بها بعض ما أُبْهِمَ في مرافعة الزملاء المحترمين الذين تحدثوا أمام الهيئة الموقرة ممثلين لجانب الاتهام.
الدولة التي تحاول الهيمنة على
المنطقة، والعدو ذي العبث والغرور
لم يخبرنا الادعاء باسم الدولة التي عناها، ولا باسم العدو العابث المغرور، فكان من الواجب الذي يدعو إليه مبدأ التعاون على إظهار الحق أن ينطق الدفاع بما سكت عن النطق به الادعاء.
إن الدولة الوحيدة، سيدي الرئيس، التي تحاول الهيمنة على المنطقة كلها، وفرض إرادتها على شعوبها قَبْلَ دولها هي: إسرائيل.
إسرائيل التي تحتل حتى اليوم مرتفعات الجولان السورية، ومزارع شبعا وبلدة الغجر، وتلال كفر شوبا اللبنانية، وأرض فلسطين كاملة بما فيها القدس، وما أدارك ما القدس وما الذي يجري فيها.
إسرائيل التي شنت الحرب تلو الحرب (12 حربًا في ستين سنة كما كتب المستشار الجليل طارق البشري، في دراسته المرفقة) ولم تزل تهدد حتى اليوم بحرب جديدة، على لبنان، بسبب سلاح حزب الله وقدرته على البقاء في موقع التأثير على السياسة اللبنانية والإقليمية، وعونه المستمر، بل المتدفق، للمقاومة الفلسطينية بفصائلها كافة، بما فيها الفصائل التابعة لمنظمة فتح، كما تشهد بذلك أوراق هذه القضية وما فيها من ذكر أفرادٍ وقادةٍ من منظمة شهداء الأقصى، الذراع العسكرية التابعة لفتح.
هذه الدولة (إسرائيل)، سيدي الرئيس، لم يردعها عن العدوان على الدول العربية كلها شيء. بل لم يردها عن العدوان على مصر ومحاولة اختراق أمنها شيء.
لقد ـ بلغ عدد الجواسيس الصهاينة وعملاؤهم الذين ضبطوا في مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 إلى سنة 2009 مائة وخمسة وسبعين جاسوسًا في خمسة وأربعين قضية جاسوسية لصالح إسرائيل. وفي المدة الواقعة بين سنة 1991 وسنة 2007 ـ وحدهاـ كان المضبوطون من جواسيس إسرائيل تسعة أشخاص، ومن المصريين الذين نجح الموساد في تجنيدهم ضد وطنهم ثمانية أشخاص، ومن الأجانب عن مصر وإسرائيل معًا ثلاثة أشخاص (روسي، وياباني، وأيرلندي).
وكانت الأعمال الموكولة لهؤلاء ـ اختراقًا للأمن القومي المصري ـ تتراوح بين أن تكون جمع معلومات عسكرية عن الشخصيات المهمة في مصر من خلال إقامة علاقات جنسية وانحرافية معهم، وجمع معلومات صناعية واقتصادية وعسكرية، ومعلومات سياسية واقتصادية، ومعلومات عن البرنامج النووي المصري ـ الذي لم ير النور بعد ـ ومعلومات عن العناصر العربية في خارج مصر للعمل على تجنيدهم لصالح إسرائيل، وجمع معلومات عن الاستثمار الأجنبي ـ بوجه خاص ـ في مصر، وجمع معلومات عن المواني والمطارات ووسائل المواصلات الداخلية في مصر.
إن بين مصر، الدولة، وبين اسرائيل اتفاقية (هدنة)، هذه هي حقيقتها، تسمى باتفاقية السلام. وإسرائيل تنتهكها يوميًا بغير شك، ومصر تسكت رعاية لهذه الاتفاقية نفسها. وهذا كله لا يعنيني هنا. لكن الذي يعنيني هو أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تربطها بمصر مثل هذه الاتفاقية: لأنها الدولة الوحيدة العدو!!!
هل رأي الناس، على مر التاريخ، صديقًا يعيد صداقته بآخر بمعاهدة؟! اللهم لا.
لكن الدول تقيد عداوتها وتضبط وقع خطاها بمعاهدات تسميها بما شاءت من الأسماء.
وليس لاختصاص إسرائيل بتلك المعاهدة من سبب إلا أنها العدو الوحيد لمصر في منطقتنا كلها!!
هذا، سيدي الرئيس، حضرات المستشارين، هو العدو الذي يحاول الهيمنة علينا نحن في مصر أولا، وعلى المنطقة كلها ثانيا. يشهد لذلك ما جرى من إهانة للسفير التركي في تلك أبيب دعت استانبول للتهديد بسحبه في اليوم نفسه ما لم تعتذر إسرائيل قبل الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم. وقد كان. اعتذر وزير الخارجية، واعتذر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيليين. فقال الأتراك: إن على إسرائيل أن تعرف مع من تتعامل عندما تكون تركيا طرفًا في الأمر!!
والدفاع يقدر كل التقدير الأوضاع السياسية التي تحول دون ذكر إسرائيل باسمها في مرافعة الادعاء، وليس مرماه من هذا البيان إلا خدمة الهيئة الموقرة بالإفصاح عن المضمر وبرد المظنون، أو الذي يمكن أن يكون مظنونًا، عن المقصود بالعدو العابث المغرور.
وأي ظن عن أي طرف آخر، سوى إسرائيل، أنه المقصود بالعدو، في نعت النيابة العامة، أو أنه يحاول الهيمنة على المنطقة في وصفها، هو ظن لا يقوم عليه من الواقع دليل.
تخصيص وحدة في حزب
الله لدول الطوق (الوحدة 1800)
لم يذكر الزملاء المحترمون المترافعون عن الادعاء سرَّ وجود هذه الوحدة ضمن هيكل تنظيمات حزب الله. وتركوا السامعين يهيمون في أودية شتى ليس من بينها الوادي المؤدي إلى واحة المعرفة أو نهر الحقيقة في هذا الشأن.
والحقيقة، سيدي الرئيس، أن هذه الوحدة هي نظير قسم الدول العربية، وقسم الدول الأفريقية، في المخابرات العامة المصرية. هذان القسمان تحدث عنهما السيدان/ فتحي الديب ومحمد فائق في كتبهما عن دور الثورة المصرية في مناصرة حركات التحرر العربية والأفريقية. وهو دور لابد للقائم به من دراسة مجالات حركته والمعرفة بمن يستعين بهم أو يستعينون به. وهذا هو الدور الذي تقوم به (وحدة دول الطوق) في حزب الله.
دورها كله يعبر الدول المحيطة بإسرائيل. وعملها كله يتعلق بمقاومة العدو. والدليل أنه منذ قام الحزب سنة 1979 حتى يوم الناس هذا في سنة 2010 لم يزعم أحد أنه اعتدى على سيادة أية دولة عربية، أو قام بأية عملية على أرضها، أو جند ضدها أحدًا من أبنائها أو من غيرهم. في الوقت نفسه، الذي تجنب فيه الحزب أي عمل ضد أية قوة أو دولة عربية أو إسلامية، نجده أوقع بإسرائيل خسائر لا تحصى أمكنني ـ بإمكاناتي المحدودةـ أن أجمع منها:
- 666 قتيلا سوى قتلى حرب يوليو/ تموز 2006،
- و276 جريحًا سوى جرحى حرب يوليو/ تموز 2006،
- 13 ضابطًا وجنديًا اختطفوا وتبودلوا، أو تبودلت جثث من مات منهم، بأكثر من ألفين من الأسرى العرب (لبنانيين وغيرهم) وبجثث بعض شهداء المقاومة لدى العدو الصهيوني(!!)
هذا هو حزب الله وصنيعه بعدوه إسرائيل. فلا تذهبن بأحد أوهام عبارة (وحدة دول الطوق) إلى أن الحزب يعمل ضد البلاد العربية وأهليها، فإن دون إثبات هذا الوهم خرط القتاد.
حزب الله ليس أداة لأحد
لقد حَرَص الدفاع على تقديم الوثيقة السياسية الأخيرة لحزب الله (نوفمبر 2009) ليثبت للهيئة الموقرة، من خلال الاطلاع عليها، بطلان الدعوى القائلة إن حزب الله أداة للدولة الأجنبية التي أشار إليها الزملاء المحترمون ممثلوا النيابة العامة في مرافعتهم الشفهية. وإذا انتفى القول بهذه التبعية انتفت من ثم النتيجة التي رتبها الادعاء عليها من تحقق وصف (الدولة الأجنبية) الوارد في المادة 86 مكررا ج من قانون العقوبات في شأن تهمة السعي والتخابر.
وليس من شك في أن النيابة العامة الموقرة لم تقصد بالدولة، التي ظنت حزب الله أداة في يدها، الدولة نفسها التي استظهر الدفاع أنها العدو الحقيقي للأمة العربية كلها وعلى رأسها مصر. لأنه من غير المعقول أن يقول أحد إن حزب الله عميل لإسرائيل.
فبقي ذكر هذه الدول (الأخرى) أمرًا مجهلا والحديث عنها كلامًا مرسلا لا تنبني عليه نتيجة ولا يترتب عليه حكم.
اسطوانة غاز السيارات
قرأنا في التحقيقات، واسمتعنا في مرافعة النيابة إلى حديث متكرر عن شراء اسطوانة غاز مما يستعمل في السيارات وعمل فتحة مستطيلة الشكل في جسمها ثم إعادة تثبيت الجزء المنزوع بعد ملء الاسطوانة بأشياء.
وذكرت النيابة في ملاحظاتها، المرفقة بقائمة أدلة الثبوت [ص49] عن هذه الاسطوانة أنها: «جرى إعدادها لاستخدامها في عمليات إخفاء، أو تهريب، أو لتجهيزها كعبوة مفرقعة...».
وهذه الجملة في ملاحظات النيابة العامة على قائمة أدلة الثبوت تدع الحليم حيران (!) كما تقول العرب. فإن استعمال حرف (أو) في الاتهام، بل في أدلة ثبوته، ينافي الثبوت من حيث أصل وضع اللغة، وينافي الثبوت في أي تركيب عربي صحيح، فاللغويون يقررون أن معاني (أو) انتهت إلى اثني عشر معنىً تدور حول الشك والإبهام والتخيير، ومعان أخرى مقاربة. [ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، بيروت 1996، ص 74].
وأهل اللغة مجمعون على أن (أو) لا تفيد تحديدًا ولا تعيينًا ولا الإشارة إلى شيء يستقر في الأذهان أنه المراد دون سواه.
فاستعمال النيابة لحرف (أو) ينفي التهمة ولا يثبتها!! والواجب في مثل هذا المقام أن تعين سلطة الاتهام فعلاً من الأفعال التي أبهمت المقصود من بينها، وتثبت وقوعه، وتقطع كل شك بما تقدمه من أد