بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الحضور والطلبات
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين الأجلاء..
يتشرف الماثل أمامكم بالحضور، مع الزميلين الكريمين الأستاذ النائب إميل رحمة، المحامي في لبنان، المأذون له بالمرافعة أمامكم؛ والأستاذ عصام سلطان المحامي بالنقض، مع المتهم الثاني: محمد يوسف أحمد منصور (سامي شهاب)؛ ويلتمس المحامون الحاضرون الحكم ببراءة المتهم مما أسند إليه.
ثانياً: بين يَدَيْ الدفاع
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
ليس أثقل حِملاً من أمانة الدفاع عن المتهمين في هذه القضية إلا أمانةُ الحكم فيها.
أمانة الدفاع يحملها فرد عن فردٍ، أو فرد عن مجموعة أفراد، يفكر وحده، ويقلب وجوه الرأي مع نفسه، ويكتب دون أن يجد من يصوِّبُ ما كتبه، ثم يعرض عليكم، وعلى الخلق كافة، عقْلَه، من خلال منطقه، وهو واقف في هذا الموقف العَسرِ يتكلم وحده، يتمنى أن تواتيَهُ فيه الحكمة، موقنًا أن فضل الله ـ تعالى جده ـ لا ينقضي، وأنه: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرا} [سورة البقرة: 269] وهو يعاني هذا كله، وأضعافه، ثم لا يدري أصاب أم أخطأ. أحسن أم أساء. أمتَعَ من سمعوه أم أملَّهم. أدى أمانته كما ينبغي أن تؤدى أم قَصَّرَ في أدائها. غاية ما يرجوه: ألا يكون للخائنين خصيمًا.
وعلى الجانب الآخر، ثلاثة قضاة أجلاء، هم أوفر حظًا باجتماعهم منه بانفراده، يتداولون جميعًا، ويقررون معاً، ويعين بعضهم بعضاً على صياغة قولٍ فصلٍ، مجتهدين أن يكون بالحق نطقهم. وبجوهر العدل، لا بشكله حكمهم، يراقبهم في خلوتهم وجلوتهم رقيب لا يغفل ولا ينام، يعلم ما تُسِرُّ الأنفس وتكنُّ الصدور. يستحضرون في كل لحظة قول الله لنبيه r {فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} [المائدة: ٤٢] والقسط: هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض وحسن به الذكر في الأولين والآخرين. وبضده، أي بالجور والظلم، زالت الدول وبادت الحضارات، وقال في أهلها رب العزة بالحق: {كم تركوا من جنات وعيون. وزروعٍ ومقام كريم. ونَعمةٍ كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قومًا آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} [الدخان: ٢٥ ـ ٢٩].
وهؤلاء القضاة الأجلاء يذكرون، كلــما طاف بهم طائف مما لا يحبون، قول ربهـم ـ سبحانه ـ لنبيه r: {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسُوا يوم الحساب} [ص: ٢٦].
وأعقد ما في هذه المقارنة بين الطرفين ـ سادتي القضاة ـ أن حساب الذي يحمل أمانة الدفاع يوم القيامة هو حسابٌ ـ إن شاء الله ـ عن بذل عناية واستفراغ وسع. وأن حسابَ الذين يحملون أمانة الحكم هو حسابٌ عن تحقيق غاية والوصول إلى نتيجة. لذلك كان قاضي الجنة، كما في الحديث الصحيح، رجلاً عَلِمَ الحق وقضى به. لا يكفي العلم بالحق، بل هو لا يدخل الجنة حتى يقضي بما علمه من ذلك الحق. وأُمسِكُ عن ذكر حال القاضيين الآخرين في الحديث الشريف راجياً، بكل ما يحتمله القلب من إخلاصٍ، ألا يكون بيننا أحدهما أو كلاهما (!!) .
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
إن القاضي الذي يستحق ـ عند الله وعند الناس ـ مكانة قاضي الجنة هو الذي يتسع صدره لما قد تضيق بسماعه أذنه. ويستمتع من حديث أطراف الخصومة، وتناضلهم بين يديه، بما يخالف هوى نفسه وميلها، طلباً في ذلك لإرضاء ضميره الباحث عن الحق وحده وعن العدل دون سواه.
والعدل ـ سيدي الرئيس ـ معنىً يقوم بالنفس بعدَ النظرِ في البيّنات ووزنها بميزان العقل والمنطق البشري والقانوني معاً. ثم لا يجري القلم، ولا ينطق اللسان إلا بعد أن يكتمل للقلب اليقين والاطمئنان. فإن تردد ظنٌّ القاضي في صدق التهمة بين وجهين سقط الوجهان المحتملان. ولذلك قرر الفقهاء ـ وتابعتهم أحكام القضاء المصري والعربي ـ أن «ما ثبت باليقين لا يزول بالشك».
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
إن الثابت يقيناً، بل المفترض أصلاً، هو براءة المتهم: حتى يقوم أمامكم دليل يقطع في القلب الوَجِلِ، وفي النفس التي أوتيتْ تقواها كلَّ شك؛ ويقضي في العقل الهادئ المستبصر على كل تردد: أن المتهم قد ثبتت إدانته بجرم محدد يستحق بسببه عقوبة لا خلاف عليها.
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
إن المحامين الثلاثة: إميل رحمة وعصام سلطان والمبتلى ببدء الكلام، الماثل أمامكم، يدافعون معاً عن المتهم الثاني وحده. وقد يَفُيد مما يقول أحدنا، أو كلُّنا، متهمون آخرون تتضح مواقفهم أو تتبين براءتهم، وذلك خير لمن أفاد منه وخير لمن قاله.
وقديمًا تقرر أنه: «يثاب المرء على رغم أنفه».
ثالثاً: الوقـائـع
بتاريخ 26/7/2009م، أحالت نيابة أمن الدولة العليا المتهم الثاني، محمد يوسف أحمد منصور (وشهرته سامي شهاب) وخمسةً وعشرين متهماً آخرين، إلى المحاكمة الجنائية، طبقاً للاتهامات المسندة لكلٍ منهم الواردة تفصيلاً بأمر الإحالة، وقد وجهت فيه النيابة للمتهم الثاني أنه في خلال الفترة من عام 2005م وحتى 25/11/2008م، داخل وخارج جمهورية مصر العربية:
أولا: ...........................................................
ثانيًا : اشترك، وآخر هارب هو المتهم الأول، بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الثالث حتى الثاني والعشرين في ارتكاب جريمة التخابر موضوع التهمة الواردة بالبند أولاً، بأن اتفقا معهم في ارتكابها في الخارج والداخل، وساعداهم بأن أمداهم بالأموال اللازمة لجمع المعلومات والرصد وتدبير المفرقعات لتنفيذ عمليات إرهابية، كما أمداهم بالشفرة السرية لاستخدامها في التراسل بينهم من خلال شبكة المعلومات الدولية لإبلاغهما بالمعلومات ونتائج الرصد، فوقعت الجريمة بناءً على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة، على النحو المبين بالتحقيقات.
ثالثاً : حاز، وآخرون، مواد تعتبر في حكم المفرقعات [ فلمينات الزئبق، آزيد الرصاص، ثلاثي نتروتولوين، تى . إن . تى، الهيكسوجين، آر .دى .إكس، النيتروبنتا، بنتا] بغير ترخيص وبقصد استعمالها في نشاطٍ يخل بالأمن والنظام العام.
وتحدد لنظر القضية جلسة 23/8/2009م، أمام الدائرة الرابعة جنايات القاهرة، وتدوولت القضيـة بالجلسات، بعد ذلـك، إلى أن كانت جلسة 26/1/2010م التي قدمت فيها النيابة العامة مرافعتها في القضية، وحددت المحكمة جلسة اليوم السبت الموافق 20/2/2010 ليبدأ دفاع المتهمين مرافعته، وهي تُستَهَلّ بمرافعة دفاع المتهم الثاني، محمد يوسف منصور، لأن المتهم الأول، محمد قبلان، غير ماثل أمام المحكمة الموقرة.
رابعًا: الـدفـاع
تتوزع مرافعةُ الدفاع عن المتهم الثاني، على ستة أقسام، نُعَرِّجُ بعد ذكر عناوينها على كُلِّ قسم منها بوجيز من البيان الذي يقتضيه الدفاع؛ والأقسام الستة هي:
القسم الأول: ماهية القضية.
القسم الثاني: شرعية المقاومة المسلحة للاحتلال كما يقرها القانون الدولي.
القسم الثالث: براءة المتهم الثاني في ضوء ما هو ثابت بالأوراق وعدم تحقق أركان الجرائم الموصوفة في مواد الاتهام في شأنه.
القسم الرابع: التعليق على قائمة أدلة الثبوت، والاستدلال على براءة المتهم الثاني من خلالها.
القسم الخامس: عدم جدية أو معقولية التحريات وبطلان كل ما ترتب عليها من آثار.
القسم السادس: التعليق على مرافعة النيابة.
القسم الأول: ماهية القضية
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
أفتتح هذا القسم من دفاع المتهم الثاني، ولعله دفاع للمتهمين كافةً، بتحية الزملاء المحترمين في النيابة العامة الذين تولوا المرافعة في هذه القضية ممثلين للاتهام.
لقد أبت على هؤلاء الرجال ضمائر حيَّة ودينٌ بادٍ إلا أن يعطوا القضية في مرافعتهم وصفها الصحيح وتكييفها الواقعي:
قضية سياسية قبل أن تكون،
بأي اعتبار، قضية جنائية
لقد استمعنا إلى ذكر دولة قيل إنها تحاول الهيمنة على المنطقة بأسرها. لكن اسمها لم يذكر، وبقي لنا بهذا الإغفال المتعمد أن نجتهد في إقامة الدليل على الذي يقصده الاتهام بتلك الدولة.
واستمعنا إلى أن حزب الله مجرم لأنه أقام بين وحداته ـ التي يقاوم بها الصهيونيةـ وحدة تنعت بالوحدة (1800) المسؤولة عن دول الطوق، وتركنا الاتهام ـ في
مرافعته ـ حيارى أيَّ طوق هذا؟ أهو الطوق المحيط بمصر أم بسواها من الدول؟ ولذلك حقَّ لنا أن نجتهد في هذه المسألة لبيان المقصود بها.
واستمعنا إلى مذهب يرى أن حزب الله أداةً للدولة الأجنبية، على نحو يحقق وصف الدولة الأجنبية لمن يتخابر معه، فتقوم بذلك الجريمة الموصوفة في المادة 86 مكررا ج من قانون العقوبات، فأصبح علينا بيان مدى صحة هذا الاستنتاج أو مدى خطئه.
واستمعنا إلى عبارات فيها ذكر العدو، وعبثه وغروره... ولم يوقفنا الادعاء على الذي يقصده بهذا التعبير فأمسى من واجب الدفاع تبيين من الذي يستحق هذه الأوصاف الواردة في تلك العبارات، ويقيم الدليل على ذلك.
واستمعنا إلى تأكيد لدور مصر التاريخي في نصرة القضية الفلسطينية وأن المتهمين أرادوا بجرائمهم ـ التي تحاكمونهم عنهاـ«أن تتخلى مصر عن قضية أمتها ليرثوا عرش ريادتها»!! فأضحى واجبا علينا أن نبين صنيع مصر الحقيقي، لا في هذا الشأن وحده، بل في شأن آخر متصل أوثق اتصال بما نحن فيه، وسأحاول بيانه حالا.
فهذه وجوه خمسة، تناولها الزملاء المحترمون الذين مثلوا النيابة العامة في هذه القضية، فأكدوا ماهية القضية وطبيعتها ومعالمها وحدودها: إنها قضية سياسية بكل ما للكلمة من معنى ولذلك قلت إن تحيَّتَهم عليَّ واجبة: أن أعْطَوا القضية وصفها الصحيح وتكييفها الحق.
نعم إن أمامنا اجب التعرض لمواد الاتهام، وقد عرض لها الزملاء المحترمون ممثلوا النيابة العامة، لكن الإحاطة بشأنها، وتفنيد دعوى انطباقها على ما هو منسوب إلى المتهم الثاني، بل إلى المتهمين كافة، كل ذلك لا يستقيم بنيانه، ولا يصدُق في الأذهان بيانه، إلا بعد إنعام النظر وإجالة البصر في حقيقة ماهية الدعوى ووصفها السياسي.
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
إن نشاط المتهم الثاني كله، وما يرتبط به من نشاط غيره، لم يكن له هدف ـ على ما تنطق الأوراق به ـ إلا مواجهة العدو الصهيوني بتزويد المقاومين الفلسطينيين في غزة بالسلاح والعتاد، وتدريب من يمكن تدريبه منهم ليعود مرة أخرى إلى أرض فلسطين المحتلة فيقاوم منها العدو الصهيوني.
الركن المادي لهذا النشاط كله كان: محاولة المساعدة في إمداد وتموين القوى المقاومة للاحتلال في فلسطين بالسلاح والخبرة.
والركن المعنوي، القصد، كان هزيمة العدو الصهيوني، إن لم يكن في وجوده بإزالته وهدمه ـ وهو واقع لا محالةَ طال الزمن أم قَصُرـ إن لم يكن في وجوده، ففي غطرسة القوة التي يدعيها، ويهدد شعوب المنطقة كلَّها بها. إن لم تكن هزيمة كلية نهائية، فهزيمة جزئية موجعة يتراكم أثرها مع آثار الهزائم التي أصابته وتصيبه، منذ هزيمته في رمضان 1393هـ = أكتوبر 1973 على الجبهة المصرية، إلى هزيمته في لبنان في جمادى الآخرة 1427هـ = يوليو/ تموز 2006، بل حتى هزيمته بانسحابه دون أن يحقق أي هدفٍ من أهداف حربه على غزة (2008ـ 2009). ثم، بعد هذا التراكم، تكون القاضية التي وعد الله بها عباده: {ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم؛ وليُبْدِلَنَّهم من بعد خوفهم أمنًا؛ يعبدونني لا يشركون بي شيئًا} [النور: 55].
إن الاحتلال ـ سيدي الرئيس ـ كلَّه، حيثما كان، غير مشروع. والمقاومة المستمرة، في كل أوطان العرب، أثبتت أن هذه الأوطان تسكنها شعوب لا قابلية لديها للاستعمار، ولا ترتضي الضيم، ولا تستنيم إلى الذل، بل هي شعوب تقاوم جيلا بعد جيل، لا يتوقف جهادها إلا تحرفًا لقتال أو تحيزا إلى فئة، ولا يصيبها مصاب في مجاهديها إلا كان في الناشئة من يسد مسدَّه ويقوم مقامه:
إذا مات منَّا سيَّدٌ قام سيدٌ..
قؤول لما قال الكرامُ فعولُ(!!)
من الذي ساد هذا الميدان أول ما شُقَّ طريقه ومُهِّدتْ سبيله؟
من الذي سنَّ سنَّة مقاومة الاحتلال حيثما كان، وبكل وسيلة أتيحت، وبلا نظر إلى شيء مما يفرضه القانون الدولي والمحلي، على غير مواطني الدول، من احترام سيادتها، وعدم انتهاك أراضيها بدخولها بغير إذنها؟
من الذي صنع ذلك أوَّلَ الناس وعلمَّهُ من بعد للعالمين؟
إذا عرفناه أقمنا الحجة عليه بفعله الحسن الرائد الشجاع المثمر أحسن الثمر.
إذا عرفناه أقمنا الحجة عليه باختراعه فعلا، إذا تكرر مثله معه، فهو به حفيٌّ بلا ريب، وبفاعله فخور فخر الأستاذ بتلميذه النجيب.
ولذلك صحت مقولة القائل صادقًا:«...وأول راضٍ سنَّهً من يسيرها»(!!)
مصر، يا سيدي الرئيس، هي أول من مهَّد هذه السبيل، وشقَّ هذا الطريق، وسار فيه أشواطًا بعيدة لو ذهبت أصف تفاصيلها، وأذكر حقائقها، لضاق بي المقام عن الوفاء بحقها. لكنني أكتفي بإشارة دالة غير مخلة، تثبت، بلا ريب، أن الذي صنعه المتهم الثاني من أبطالِ مصرَ تعلَّمه، وأن الهدْيَ الذي حاول أن يبلغ به مَحِلِّه هو هدْيٌ غَذَتْهُ مصر بروحها وعطائها ومالها عَقْدين كاملين من الزمان يزيدان في بعض البلدان قليلا ويقلان في بعضها الآخر قليلا.
مصر، يا سيدي الرئيس، أرسلت منذ نهاية عام 1952 (عام قيام الثورة) إلى 26/11/1959 (في أثناء الوحدة مع سوريا) خمسًا وأربعين شحنة سلاح وذخائر ومعدات تفجير ومتفجرات وأطقم للضفادع البشرية للتفجير تحت الماء وغيرها من المهمات العسكرية... أرسلتها إلى الجزائر، وبعض المجاهدين في تونس ومراكش (المغرب). عبر بها الضباط المصريون حدود ليبيا من البر ومن البحر، ثم حدود تونس البرية الصحراوية القاحلة إلى الجزائر، وتسلمها المجاهدون الجزائريون يدا بيد من الضباط المصريين الذين كانوا يعملون ـ يومئذ ـ في المخابرات العامة المصرية.
وكان راعي هذا العمل رعاية مباشرة هو جمال عبد الناصر لا سواه.
يدل على ذلك شهادة فتحي الديب في كتابه عبد الناصر وثورة الجزائر (الطبعة الثانية، دار المستقبل العربي، القاهرة 1990). لقد تضمنت هذه الشهادة، في مواضع عدة، أن فتحي الديب عندما كان يخبر مدير المخابرات المصرية ومؤسسها: زكريا محي الدين، بأمر من أمور هذا العمل المصري البطولي كان زكريا محي الدين يأمره بالعرض على عبد الناصر شخصيًا، ومنه كان يتلقى الدعم والإقرار فيما فات، والأوامر والتوجيهات فيما هو آت.
لقد أنشأت المخابرات المصرية ـ حديثة العهد يومذاك ـ قسمًا للوطن العربي كان يرأسه فتحي الديب، كما أنشأ حزب الله الوحدة رقم (1800) لدول الطوق. أليس هذا سلوكًا واحدًا يجب أن يسلكه كل مقاوم للمستعمر المحتل؟ كيف يقاومه وهو لا يعمل من حول حدوده؟ وهل يملك أن يبقي نفسه محصورًا في جبهة واحدة إذا حيل بينه وبين العمل منها توقف جهاده في سبيل وطنه وأمته؟
لقد كانت مصر هي الرائدة في ذلك السباقة إليه، ومنها تعلمه المجاهدون العرب والأفارقة.
فأنّى لنا اليوم أن ننكر على المقلدين ونحن المبدعون المبتكرون؟
وكيف يسوغ لنا أن نعاقب من يمشون على الدرب الذي افتتحناه، وعبّدناه، واخترعنا وسائل عبوره إلى الهدف الأسمى: تحريرِ الأوطانِ من نيرِ الاحتلال!!
إن مصر، في قيادتها كفاح الشعوب ضد الاحتلال، من خارج أوطانهم، ومن خلال اختراق أراضي دول أخرى، وأنهارها، ومياهها الإقليمية، ومجالها الجوي، لم تساعد شعب الجزائر وشعب تونس وحدهما. لكنها ساعدت: الجزائر وتونس ومراكش (المغرب الآن)، وساعدت الصومال، ومالي، وكينيا (أيّدنا فيها ثورة الماوماو)، وأوغندا، والكونغو (برازفيل)، وبوروندي، وتنزانيا، وزنزبار، ونيجيريا، وإريتريا، والكونغو (كينشاسا) [محمد فائق، عبد الناصر والثورة الأفريقية، الطبعة الرابعة، دار المستقبل العربي، القاهرة 2002]. فهذه أربع عشرة دولة ليس من بينها دولة واحدة تجمعها بمصر حدود برية أو بحرية، فكان لزامًا، كما هو الحال في قضيتنا، أن يعبر رجال المخابرات المصرية ـ بالمئات إذا جمعناهم ـ حدود بلاد من البر والبحر والجو كي يصلوا إلى أهدافهم من مساعدة المجاهدين للاستقلال عن الاحتلال، وهي مساعدة كانت دائمًا بالسلاح والتدريب على استعماله والعتاد الحربي والمتفجرات وأدوات تفجيرها...إلخ.
إن في أدلة اتهامنا أن حديثًا جرى بين المتهمين الأول والثاني ومتهمين آخرين حول إمكانية استئجار مركب صيد لتهريب السلاح والذخيرة فيها إلى المجاهدين في غزة... وسيأتي حديث الاستدلال بهذه الواقعة على الإدانة لاحقًا. لكنني أتساءل الآن هل أتى المتهم الثاني ورفيقه المتهم الأول بهذه الفكرة من عند نفسيهما أم أن لهما فيها سابقًا هو أسوة وقدوة؟
إن هذا السابق ـ سيدي الرئيس ـ كان المخابرات المصرية، في تهريبها السلاح والذخائر بكميات هائلة إلى الجزائر وتونس والمغرب. لقد استخدمت المخابرات المصرية اليخت ( دينا ) الذي كـان مملوكا للملـكـة دينا عبد الحميد ملكة الأردن، بغير علمها ـ طبعاـ واليخت (نمر) الذي كان مملوكًا قبل الثورة للأمير عباس حليم وصودر مع أموال الأسرة المالكة. واليخت (الحظ السعيد) الذي كان مملوكًا للمخابرات العامة. واليخت (انتصار) الذي كان مملوكًا للقوات البحرية، استخدم مرات، واليخت (بلزتريك) الذي اشتراه أحمد بن بللا من إيطاليا بأموال من المخابرات المصرية.
واشترت مصر السفينة (دفاكس) من اليونان بعشرين ألف جنيه إسترليني لتستعملها في تهريب السلاح للجزائر. [فتحي الديب، السابق، ص 169 وص 229].
وحمّلت مصر سفينة بريطانية اشتريت بأموال مصرية اسمها (آتوس) بشحنة هائلة من السلاح والذخيرة إلى الجزائر (الشحنة العاشرة) فضبطها الجيش الفرنسي وصادر الشحنة، واعتقل عشرات من المجاهدين الجزائريين الذين كان تدريبهم قد اكتمل على الحرب البرية، وبعضهم على أعمال الضفادع البشرية، بأجهزتهم وسلاحهم وعتادهم... وكان ذلك نتيجة خيانة غير مسبوقة، من شخص غير مصري، كان يتعاون مع مخابراتنا.
وعندما أصابت صدمة عصبية البطل فتـحي الديب ـ الذي يقابل في قضيتنا المتهم الثاني ـ كان رد فعل جمال عبد الناصر أن استدعاه وقال له بالحرف الواحد، والعهدة على فتحي الديب: «مالك زعلان ليه، هو أنت متصور أن كل عملياتك لازم تنجح. دي أول مركب تتمسك من ثمانية مراكب. ولازم تكون واقعي احنا قدراتنا محدودة (أليست قدرات المقاومة كلها محدودة بالقياس إلى الصهاينة؟!) ورغم كده نجحنا في تهريب عدة مراكب. ولا يمهك!! أنا عاوزك تقوم بعملية تهريب جديدة بكرة، وحتى لو اتمسكتْ برده شيء طبيعي يجب ألا يهز أعصابنا لأن اللي بيعمل في العمل السري لازم يتوقع النجاح والفشل» [فتحي الديب، السابق، ص 259].
مصر، إذن، سيدي الرئيس، حضرات المستشارين، هي صاحبة فضل السبق، ودور الريادة في الباب الذي دخلت منه بعدها كل قوة عربية تحاول التخلص من الاحتلال والقضاء على الاستعمار. وهو الذي فكَّر المتهم الثاني ـ أو الأول ـ أن يحاول الولوج منه إلى مساعدة المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية؟
فأي بأس على المقلِّد إن كنت أنا المجتهد؟
وأي تثريب على اللاحق إذا كنت أنا السابق؟
وأية عقوبة يجوز لي توقيعها على من اقتدى بي واهتدى بهديي؟
ولم يكن عمل مصر عسكريًا فقط، بل كان سياسيًا كذلك. كانت مصر وراء قرار مؤتمر باندونج (18ـ 24/4/1955)«بضرورة التعاون الأفريقي الآسيوي للنهوض بحقوق الشعوب المغلوبة على أمرها».
ووراء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14/12/1960 بوجوب «اتخاذ التدابير الفورية اللازمة في الأقاليم المشمولة بالوصاية أو غير المتمتعة بالحكم الذاتي لنقل جميع السلطات إلى هذه الشعوب» [دكتور شوقي الجمل، الدور الأفريقي لثورة 23 يوليو 1952، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994 ص 32ـ 35].
وما أشبه الليلة بالبارحة (!) ففي ديسمبر 1958 انقسم ثوار الجزائر إلى فرقتين متناحرتين، واختارت مصر استمرار دعمها العسكري بكل صوره إلى فريق أحمد بن بللا، وهاجم فريق عباس فرحات مصر هجومًا شنيعًا «سعيًا نحو تشويه سمعة مصر» [دكتور عبد الله إبراهيم رزق، مصر وحركات التحرر الوطني في شمال أفريقيا، ص 62] فلم يثنها ذلك عن الاستمرار في مساعدة المجاهدين لتحرير وطنهم، بل زادها عزمًا وإصرارًا.
عندما تحدث السيد حسن نصر الله عن إسرائيل بعد انسحابها من لبنان ـ فرارًا بليل ـ في مايو 2000م قال إن ذهاب الاحتلال من لبنان لا ينهي المشكلات مع العدو الصهيوني... ولكن هناك ملفات «... والفلسطينيون يجب أن يعودوا إلى وطنهم ومن حقهم أن يفعلوا أي شيء لكي يعودوا إلى ذلك الوطن.» [خطابه في 14/4/2000 بمناسبة ذكرى العاشر من محرم 1421هـ].
وليقارن من شاء هذا الكلام بقول جمال عبد الناصر بعد جلاء الاستعمار البريطاني عن مصر:«إن القضية المصرية ليست آخر مشاكل المصريين مع الاستعمار، وإن مصر لن تستريح أو يهدأ لها بال حتى تتحقق الحرية الكاملة لكل بلد من البلاد الأفريقية والعربية والإسلامية. ولابد من مواصلة الكفاح لتحقيق هذه الغاية...» [دكتور علي عبده إبراهيم، مصر وأفريقية في العصر الحديث، دار القلم بالقاهرة 1962 ص 187].
إن هذا سلوك الثوار. دولةً كانوا يمثلون أم جماعة أم حزبًا أم مجموعة فدائية.
هذا هو سلوك الذين يرون أنفسهم من أصحاب الرسالات لا يختلفون فيه سنةً كانوا أم شيعة.
هذا سلوك أصحاب العزائم لا تردُّهم عنه هزيمة عارضة ولا عوائق مانعة.
هؤلاء ـ سيدي الرئيس ـ يسلكون كل سبيل متاحة لتحقيق هدفهم الأسمى، لا يأبهون بشيء ما داموا في النهاية يحققون الغاية التي نذروا أعمالهم لها... «الاستمرار في دعم الكفاح المسلح... بكل طاقاتنا وقدراتنا المتاحة مهما كانت التضحيات... [الثورة] قامت لا لتحرر أرض مصر وحدها بل لتحرر كل الأرض العربية». [فتحي الديب، نقلاً عن جمال عبد الناصر، ص 214 وتاريخ هذا الكلام 16/3/1956م].
هكذا، سيدي الرئيس، كل ثوري مناضل يرى واجبه يسع الناس جميعًا لا قومه وحدهم، والأوطان كافة لا وطنه دون غيره. وهو لا يعرف في عمله الحدود ولا القيود، فمصر في عام 1969 قصفت ميناء إيلات الإسرائيلي انطلاقاً من الأراضي الأردنية دون علم سلطاتها.
ومصر في عام 1970 أغرقت الحفار الإسرائيلي الذي كان متجهًا إلى خليج السويس في مياه المحيط أمام أبيدجان ـ عاصمة ساحل العاج ـ دون علم سلطاتها بالنشاطات الهائلة التي مورست على أرضها ومن خلال مياهها الإقليمية لتحقيق هذه النتيجة.
... إنَّ في هذا الحديث الممتع، مثيراتٌ للشجن أيضًا. وفيما أشرت إليه كفاية ليتساءَل المرء: هاهنا كنا، أين أصبحنا؟ وكيف؟
وليقف هنا اللسان، ولتلجمْ اليدُ القلمَ عن المضي فيما يعبِّر عنه الصمت بأبلغَ مما يعبر عنه الكلام(!!)
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
إن نشاط المتهمين كله، وما كان المتهم الثاني بصدد صنعه، لم يكن إلا مساعدة المقاومة الفلسطينية. وليقل من شاء في هذه المساعدة ما شاء، فلن يجديه من الحقيقة مهربًا أن يغمض عينيه عنها.
وقيام المتهم الثاني بذلك كان جزءًا من واجبات حزب الله الذي لا يصح له وصف قدر صحة وصفه بأنه جزء أساسي أصيل من حركة التحرر العربية الإسلامية في طورها الجديد الذي أصبح أمانة في يد الشعوب وخيارًا لها، تقديرًا منها ومن زعمائها للضرورات التي حالت بين الحكومات وبين القيام بمثل ما كانت تقوم به حكومة مصر في عقود الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي.
وهذه القوى التحررية يسعها ما وسع الدولة المصرية في تلك العقود، ولا سبيل لها كي تواصل عملها إلا هذا«مهما كانت التضحيات» كما كان يقول جمال عبد الناصر.
ولهذا النشاط ضروراته ولوازمه. فقد استخدمت لبعض أنواعه الأراضي المصرية. نعم استخدمت الأراضي المصرية للوصول عبرها إلى الوطن المحتل فلسطين.
وجندت عناصر في سبيل هذا الهدف من مصر ولبنان والسودان وفلسطين نفسها، وربما من دول أخرى كذلك!!
كلهم عرب، كلهم مؤمنون بقضية عادلة، عاملون في سبيلها، وبعضهم همه الارتزاق من عمل شريف (!) يُدْفَعُ فيه الكثير مقابل الجهد القليل(!!)
ونحن فعلنا ذلك. لقد استعنا بيونانيين وقبارصة وهولنديين وبلجيك، فضلا عن المصريين وسائر العرب وجميع جنسيات الأفارقة.
كان لابد في هذا النشاط المشروع، بل الواجب شرعًا، في نظر القائمين به، من التعرف على الإسرائيليين، وعلى أمـاكن تواجدهم خارج إسرائيل، ليس لاستهدافهم خارجــها ـ داخل الأراضي المصرية كما جاء بقرار الإحالة ـ وإنما للتقرب منهم، والإفادة بهم في تهريب السلاح للأراضي الفلسطينية، ومعرفة كل المعلومات الممكنة عن إسرائيل من الداخل، بل وتجنيد بعضهم كما يُجندون بعضنا، وذلك جميعه أن منهم تجارًا للسلاح، وليس بخافٍ على أحدٍ أن أحد أهم مصادر السلاح الرئيسية للمقاومة الفلسطينية هم تجارُ السلاح الإسرائيليين من ضباط جيشها وجنوده، وهذه حقيقةٌ تعلمها المخابرات المصرية والمخابرات الإسرائيلية حق العلم!! وفي هذا ما يكفي للقطع بأن استهداف الإسرائيليين داخل الأراضي المصرية لم يكن أبداً من أهداف المتهمين، بل إنه أمرٌ مُحرَّمٌ عليهم، في خطة عملهم وتوجيهات المسؤولين عنهم لهم. وإذا كان الإسرائيليون غير مستهدفين داخل الأراضي المصرية فمن باب أولى ألا يكون المصريون أنفسهم مستهدفين من المتهمين، أو من قيادة حزب الله، والمصريون هنا تعنى الشعب والقيادة والأرض والنظام العام، فكلُّ ذلك مُحرَّمٌ. يقطع بذلك ما قررَّه المتهم الثاني بالتحقيقات بقوله:
«الذي أبلغني به محمد قبلان بتاريخ 15/8/2008م بعدما عاد من حضور حفل زفاف ابنته أن قيادة الوحدة 1800 لم توافق على طرحه السابق بشأن تنفيذ أي عمل عدائي ضد الإسرائيليين في مصر، وذلك بناءً على قرار قيادة حزب الله الحكيمة بلبنان، والتي رفضت القيام بأيّ أعمال ضد الإسرائيليين على الأراضي المصرية، وذلك لأهمية هذا البلد كونه حدودياً مع غَزَّة، وجاء ذلك من قيادة حزب الله رداً على طرح أو فكرة استهداف الإسرائيليين السائحين بمدينة نويبع أو برأس شيطان...» (الطرح كان من محمد قبلان لا من محمد يوسف كما قالت النيابة في مرافعتها).
هكذا، استهدافُ الإسرائيليين العاديين، أو السائحيـن، والسفن الإسرائيليـة المارّة بقناة السويس، والقيام بأية أعمال عسكرية ضد إسرائيل، بصفةٍ عامةٍ، داخل الأراضي المصرية، كانت جميعها مُحرّمَات على المتهمين بقرارٍ واضحٍ وصريحٍ من قيادة حزب الله. ويستتبع ذلك لزوماً وعقلا أن تكون المصالح المصرية عموماً محرمة من باب أولى.. وعليه فلا وصف لما قام به المتهمون إلا بأنه: محاولة لمساعدة القائمين على مقاومة العدو الصهيوني وقتاله، ولكن ليس على الأراضي المصرية !
وإمـدادٌ ومساعدةٌ للمقاومة الفلسطينية، وهو أمرٌ مشروعٌ في القانون الدولي، وفي النظام الدولي. وهو مقاومة للظلم الدولي، والتآمر الأمريكي مع العدو الصهيوني، لا تصح عروبة أحد إلا إذا رآه كذلك.
في 16 يناير من العام الماضي 2009 وقعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفنى، ونظيرتها الأمريكية، كونداليزا رايس، اتفاقاً قبيحًا في واشنطن، يَنُصُّ على فرضِ رقابةٍ صارمةٍ على مداخل غزة البرية والبحرية والجوية، بمشاركة حلف الناتو وقوىً إقليميةً أخرى، بحيث تنتشر هذه الرقابة لتشمل البحر الأحمر والبحر الأبيض وخليج عدن والخليج العربي وسيناء !!
وتضمن الاتفاق تَعَهُّد واشنطن بإقامة جهاز مراقبـة واسع لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، ومراقبة معابرها وتزويدها بأجهزة متطورة لاكتشاف الأنفاق، بجانب تدريب قوات محلية في المنطقة على كيفية مواجهة عملية تهريب السلاح إلى غزة.
هذا الاتفاق المخالف للقانون الدولي لتضمنه تدخلا في الشؤون الداخلية لدول غير أطرافه، هو مجرد مثال من مئات الاتفاقات المشبوهة المماثلة، فَطِنَتْ له الإدارة المصرية، وتحركت سريعاً لإحباطه، فدعت لِقِمَّةٍ إقليميةٍ ودولية تشاورية تضم كلا من: رئيس السلطة الفلسطينية وملك الأردن والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية والأمين العام للأمم المتحدة، وآخرين، لتعلن أن مصر لن تكون جزءًا من هذا المخطط المشبوه، وهذا ما عَبّرَ عنه وزير الخارجية المصري، السيد / أحمد أبو الغيط، عندما أكدَ في 17 يناير 2009م أن «مصر غير ملزمة بهذا الاتفاق»، وهو ما أكد عليه رأسُ القيادة المصرية، الرئيس محمد حسنى مبارك، بقوله:«إن مصر لن تقبل أبداً نشر قوات دولية على الحدود مع غزة وأن هذا الأمر يعتبر خطاً أحمرًا..»
وهو مَوقفٌ يُحسبُ للقيادة المصرية، ويدلُّ على أنها قارئةٌ جيدةٌ لكل ما يحدث في هذا الملف الشائِك، وأنها تعلمُ جيداً ما يُخطط له الإسرائيليون والأمريكيون، من محاصرة العالم العربي براً وجواً وبحراً، وبكل الطرق والوسائل.
لكن الوسائل التي تملكها مصر، الدولة، تختلف عن تلك التي يملكها المتهمون في القضية الماثلة وهم أشخاص وطنيون، يغارون على دينهم وأرضهم وعروبتهم، ويحاربون الكيان الصهيوني بكل ما يملكون، وبقدر ما يستطيعون، وهمُ بوصف التاريخ، وخصوصاً التاريخ البطولي المصري، أبطالٌ لا مجرمون، ولهم كامل الحق في أن يواجهوا هذه الغطرسة الإسرائيليـة والأمريكيـة على قدر ما يستطيعون، وهذا الحق ثابتٌ بنصوص القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات الشرعية الدولية، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك التي وقعتها الدول العربية ـ وعلى رأسها مصر ـ في عام 1950م استجابةً لرغبة شعوبها في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها.
سيدي الرئيس..
حضرات المستشارين..
لقد سيق دليلاً على صحة الاتهامات الموجهة للمتهمين ـ وما هي بصحيحة كما سترون ـ موضوع النفق الذي يقع بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية. ولئلا أخوض في حديث قد يحتمل الاختلاف والجدل أستعيد ـ كما استعدت حالاـ كلام الرئيس محمد حسني مبارك، نفسه، في مسألة الأنفاق.
كان الرئيس يتحدث في عيد الشرطة، ويخاطب قياداتها، بدءًا من الوزير إلى الضباط الكبار ذوي المسؤوليات الواسعة، ويخاطب من ورائهم شعبه وشعوب العالم. فلما ذكر القضية الفلسطينية وجهود مصر بشأنها قال ما نصه بحصر اللفظ:
«لقد روجت إسرائيل خلال العامين الماضين لموضوع التهريب والأنفاق وعاودت التركيز على هذا الموضوع بعد عدوانها على غزة وخلال اتصالاتنا لوقف إطلاق النار وأقول إن تهريب البضائع هو نتيجة للحصار وأن الاتفاق الإسرائيلي الأمريكي لمراقبة تهريب السلاح لا يلزمنا في شيء. أقول إننا كأي دولة مسئولة قادرون على تأمين حدودنا لن نقبل بأي تواجد لمراقبين أجانب على الجانب المصري من الحدود ونتمسك بأن تبتعد أية ترتيبات إسرائيلية دولية عن ارض مصر وسمائها ومياهها الإقليمية».
[خطابه بمناسبة عيد الشرطة، في 4/2/2009، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، والصحف القومية، يوم 5/2/2009، نصه مقدم في حافظة مستقلة].
وبعد هذا الحديث الواضح المحدد بثلاثة أشهر فقط، في مايو 2009، قال الرئيس محمد حسني مبارك في افتتاح مؤتمر إعمار غزة الذي استضافته مصر في شرم الشيخ:
«إن العدوان على غزة ـ رغم جسامته وخطورة تداعياته ـ لا يجب أن يصرف أنظارنا عن جوهر القضية الفلسطينية.. فهي قضية شعب يعاني النكبات والمحن منذ ستين عامًا.. ويتطلع لإنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة»...«نعلم من دروس التاريخ أن القوة المسلحة ـ مهما عظمت ـ لا تقضي على المقاومة والحقوق المشروعة للشعوب... ونعلم جميعًا أن الاحتلال مصيره إلى زوال...».
[خطابه يوم 14/5/2009 أمام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني وإعادة إعمار غزة، شرم الشيخ، مصر، نصه مقدم مع نص الخطاب السابق].
وقال الرئيس في الخطاب نفسه:
«إن سرعة التوصل إلى اتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بما يضمن فتح المعابر أمام مستلزمات البناء وإعادة الإعمار ضرورة... فإغلاق المعابر يعيدنا للمربع الأول... ويضع عملية إعادة الإعمار في مهب الريح» [المصدر نفسه].
فهل زال الحصار الذي سوّغ في نظر رئيس مصر نفسه وجود الأنفاق؟
وهل أصبحت المعابر مفتوحة حتى تمر منها السلع الضرورية، والأدوية الحيوية، ومستلزمات إعادة الإعمار، والأفراد والأسر والمجموعات، لتصبح الأنفاق عملا غير مشروع لانتفاء أسبابه التي دعت إلى وجوده أصلا؟
اللهم لا.
بعلم العالم كله، وتحت سمعه وبصره، لا يزال الاحتلال جاثمًا فوق الصدر الفلسطيني الصبور المقاوم طول الوقت،
ولا تزال المعابر مغلقة،
ولا تزال الأنفاق هي الطريقة الوحيدة المتاحة للتقليل من ـ لا للتغلب الكامل على ـ آثار هذا الحصار الوحشي الذي لم تعرف له البشرية نظيرًا منذ ما قبل الإسلام، عندما حوصر النبي صلى الله عليه وسلم وقومه في الشعب نحو ثلاث سنين، ومنع عنهم الماء والطعام وسائر احتياجات البشر. لم تعرف البشرية، منذئذ،ٍ حصارًا عامًا لجماعة من الناس إلا الحصار الحالي لغزة ومليون ومائتي ألف إنسان يعيشون فيها، لا لشيء إلا لأنهم يريدون أن يحصلوا على حقهم في حياة إنسانية حرة في ظل حكومة منتخبة انتخابًا صحيحًا حرًا بلا خلاف.
هذا ـ كما قال الرئيس ـ هو سر الأنفاق: الحصار الظالم على شعب كامل.
وهذه ـ كما قال الرئيس ـ هي نهاية الاستعمار: الزوال والاندحار.
ولأجل ذلك فليعمل العاملون، وفي سبيله فليتنافس المتنافسون، وسيعـلم الذين ظـلموا ـ بلا ريب ـ أي منقلب ينقلبون.
من أجل ذلك، سيدي الرئيس، أطبقت كلمة فقهاء القانون الدولي، وتواترت قرارات المنظمات الدولية على مشروعية المقاومة المسلحة للاحتلال.
القسم الثاني: شرعية المقاومة المسلحة
للاحتلال كما يقرها القانون الدولي
المقاومة هي التعبير الحيّ عن البقاء، والصنـو المرادف للحيـاة، والحقيقة المساوية لجوهر الوجود، وما استمرارُ الإنسانِ ذاته إلا نتاجٌ لعوامل المقاومة والبقاء، داخله، ضد أسباب الفناء وعوامل الهلاك. إذ ما إن تنتهي منه سمات المقاومة وصفاتها، وإرادة الحياة وأدواتها حتى يحكم عليه بالموتِ والفناء، وكذلك الأمرُ بالنسبة للشعوب والأمم، والدول والجماعات [دكتور هيثم موسى حسن، التفرقة بين الإرهاب الدولي ومقاومة الاحتلال في العلاقات الدولية، رسالة دكتوراه 1999 جامعة عين شمس، طبعة نقابة المحامين بالقاهرة، 1999 ص210].
وقد عَرَّفَ أستاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمي، في كتابه الوسيط في قانون السلام حركات التحرير الوطنية التي تقوم بالمقاومة الشعبية المسلَّحة بأنها «حركاتٌ تستند إلى حق الشعب في استعادة إقليمه المغتصب، وتستمدُّ كيانها من تأييد الجماهير الغاضبة على المغتصب، وتتخذ عادةً من أقاليم البلاد المحيطة حَرَماً لها، تستمِدُّ منها تموينها وتقومُ عليه بتدريب قواتها.. ثم إنها بسبب ضعف إمكانياتها إنمـا تركز جهودها على تحدي الإرادة الغاصبة، لا على هزيمة جيوش الاحتلال في حربٍ منظمة» [الوسيط في قانون السلام، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1982 ص 350].
المركز القانوني الدولي لحركات مقاومة الاحتلال
وأفرادها في ضوء اتفاقيات جنيف لعام 1949م
نصت المادة (4) من الاتفاقية الثالثة، اتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، على أن:
«أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية همُ الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1 ـ ................................. .
2 ـ أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النـزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليمُ محتلاً...».
وفي تحديد معنى نص هذه المادة يذهب الفقه الدولي إلى أن:
«المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، إذ تقدم تعداداً حصريًا للأشخاص الذين يكون لهم الحق في التمتع بوصف أسرى الحرب، فإن ذلك يعنى ضمنياً تعدادا للمقاتلين والمحاربين المحميين بموجب هذه الاتفاقية... ذلك لأنه إذا كان كل مقاتل أو محارب قانوني، يتمتع بوصف أسير حرب، فهذا يعنى أن كل أسير حرب يكون له قانوناً مباشرة الأعمال القتالية، ولذلك يعتبر مقاتلاً قانونياً يتمتع بحماية هذه الاتفاقية..» [دكتور هيثم موسى، السابق ص 285 حيث ينقل عن الفقيه Draper].
وقد ذهب فقهاءُ القانون الدولي، بغير خلاف بينهم إلى أنه «يُستنتج من نصوص اتفاقيات جنيف أنها اشترطت ضمناً أن تتخذ المقاومة في الإقليم المحتل شكل الحركة المنظمة والانتماء إلى أحد أطراف النـزاع، ويعنى ذلك أن تتخذ حركة المقاومة في الإقليم المحتل أو خارجه شكل الحركة المنظمة ذات الهياكل التنظيمية والإدارية والعسكرية والأُطُرْ القيادية القادرة على تعبئة موارد حركة المقاومة، وحشد الرأي العام، وتوظيفها في سبيل استمرار المقاومة وكسب التأييد والشرعية لها.. بغية تحقيق الأهداف الوطنية في تحرير الوطن وطرد المحتل الغاصب، أمَّا فيما يتعلق بانتماء أعضاء حركات المقاومة المنظمة إلى أحد أطراف النـزاع، فلا يُشترط في هذا الانتماء أن يكون قائماً على أسـاس رابطـة قانونيـة ( الجنسيـة ) وإنما يُكتفي بإثبات قيام رابطـة أو علاقة واقعية تكشفُ عن عملية التعاطف أو التضامن بين أفراد حركة المقاومة والقضية التي يُناضلون من أجلها»... «ووجود التنظيم الذي يضم المقاومين مسألة لاحقة على وجود المقاومة نفسها... وهي مسألة تتعلق بظروف الحال، فقد تنقلب المقاومة التلقائية إلى مقاومة منظمة، أو تكون مقدمة لها، وقد تكون المقاومة المنظمة بمثابة جهاز طليعي ينبثق عن الهبَّة التلقائية في وجه الغزو الأجنبي». [دكتور عز الدين فودة، مجلة دراسات في القانون الدولي، الجمعية المصرية للقانون الدولي، 1969، ص 23؛ ودكتور صلاح الدين عامر، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي، دار الفكر العربي بالقاهرة، دون تاريخ ص 50].
وقد أُلحِقَتْ اتفاقيات جنيف المذكورة بملحقين ـ بروتوكولين ـ إضافيين، أضفَيا على حركات المقاومة، وأعضائها، مزيداً من الحماية القانونية الدولية. فنصت المادة 44 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، في فقرتها الرابعة، على أنه:
«4 ـ يُخِلُّ المقاتل الذي يقع في قبضة الخصم، دون أن يكون قد استوفى المتطلبات المنصوص عليها في الجملة الثانية من الفقرة الثالثة [ أن يميزوا أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء اشتباكهم في هجومٍ أو في عمليةٍ مسلحة تجهز للهجوم ] بحقه في أن يُعدّ أسيرَ حرب، ولكنه يُمنح ـ رغم ذلك ـ حمايةً تماثِلُ من كافة النواحي تلك التي تضيفها الاتفاقية الثالثة وهذا الملحق، على أسرى الحرب. وتشملُ تلك الحماية ضماناتٍ مماثلةٍ لتلك التي تُضفيها الاتفاقية الثالثة على أسير الحرب عند محاكمة هذا الأسير أو معاقبته على جريمةٍ ارتكبها».
استنـاداً إلى هذا النصّ، فإن «الحـروب التي تخوضهـا قوات المقاومـة الفلسطينية واللبنانية ـ والعربية عموما ـ ضد القوات الإسرائيلية، وانطلاقاً من كل الجبهات، إنما هي حروبٌ ذات طابعٍ دوليّ، تخضع لأحكام بروتوكول جنيف الإضافي الأول لعام 1977م. ويتمتع أفراد هذه القوات بصفة المحاربين القانونيين وما يترتب على ذلك من حصولهم على كافة أنواع الحماية والمزايا التي يحصل عليها هؤلاء المحاربين...» [دكتور أحمد رفعت، الإرهاب الدولي في ضوء أحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، دار النهضة العربية بالقاهرة، دون تاريخ ص 128].
مشروعية استخدام القُوّة مِنْ قِبَل حَرَكَات المقاومة
بتاريخ 4/5/1948م أصدرت المحكمة الجنائية بلاهاي حكماً بخصوص حركات المقاومة اليهودية السرية ضد الاحتلال النازي، اعتبرت فيه «أعمال المقاومة السرية التي جرت ضد الاحتلال النازي أعمـالاً مشروعـة في مواجهة الاحتلال الحربي الذي يتعارض مع القانون الدولي ..». [دكتور هيثم موسى حسن، السابق ص 340 حيث يشير إلى دكتور عبد العزيز محمد سرحان، دور محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة 1981 ص 285].
ومن المقرر فقهًا [دكتور هيثم موسى حسن، السابق ص 283] في هذا الصدد، أنه إذا قُرِّرَ حق الدفاع الشرعي عن النفس للفرد في مواجهة أي خطر يتهدده، فإنه يجبُ تقرير ذلك ـ من بابٍ أولى ـ للشعب الذي تُستعمر بلاده أو تُحتل أراضيه وتُنتهك سيادته واستقلاله، وقد أكدت هذه الحقيقة الاتفاقيات الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، والفقه، والعمل الدولي المطرد، والقضاء الدولي، وزاد هذه الحقيقة تأكيداً ورسوخاً سلسلة القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ذات الصلة بهذا الموضوع، وأهمها، مرتبة زمنيًا، هي:
( 1 ) أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم 1514/ د15 بتاريخ 14/12/1960م، الخاص بمنح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة، القاضي بصريح العبارة بـ «ضرورة وضع حد عاجل ومطلق للاستعمار بجميع أشكاله ومظاهره». ولعل ذلك أصبح واقعًا دوليًا إلا في مناطق نادرة من العالم منها الأراضي الفلسطينية والعربية التي تحتلها إسرائيل.
( 2 ) ثم القرار رقم 2105/ د20، بتاريخ 20/12/1965م، القاضي بـ «شرعية النضال الذي تخوضه الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية من أجل ممارسة حقها في تقرير المصير والاستقلال، ودعوة الدول الأخرى لتقديم المساعدة المادية والمعنوية لحركات التحرير الوطني في الأراضي المستعمرة والمحتلة».
( 3 ) ثم القرار رقم 2734/ د25، بتاريخ 26/12/1970م، المتعلق بالأمن الدولي، القاضي بأن «كفاح الشعوب المضطهدة ضد الاستعمار كفاحٌ مشروع».
( 4 ) ثـم القرار ـ بالغ الأهمية ـ رقم 2787/ د26، بتاريخ 6/12/1971م، الذي نصَّ على «شرعية نضال الشعوب في سبيل تقرير المصير والتحرر من الاستعمار والتسلط والاستعباد الأجنبي، بما في ذلك شعب فلسطين».
( 5 ) ثم القرار رقم 3070/ د28، بتاريخ 30/11/1973م، الذي أكد على «شرعية نضال الشعوب في سبيل التحرر من السيطرة الأجنبية والاستعباد الأجنبي، وأكد على حقها في اللجوء لكل الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الهدف، ومن بينها الكفاح المسلح..».
( 6 ) ثم القرار رقـم 3103/ د28، بتاريخ 12/12/1973م، (بعد حرب أكتوبر بشهرين فقط) الذي وضع مبادئَ في غاية الأهمية، تنص على:
(A) «أنَّ نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية، في سبيل تحقيق حقها في تقرير المصير والاستقلال، هو نضالٌ شرعيٌّ ويتفقُ مع مبادئ القانون الدولي».
(B) «أنَّ أي محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفةٌ لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإعلان الخاص بمنح البلاد والشعوب المستعمرة استقلالها، وتشكل خطراً على السلام والأمن الدولي».
( 7 ) القرار رقم 3236/ د29، بتاريخ 22/11/1974م، الذي يتضمنُ «إقرارا بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والحق في الاستقلال والسيادة الوطنية ويعترف القرار بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكافة الوسائل الممكنة وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، ويناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تَمُدّ يدها لمساعدة ودعم الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه وفقاً للميثاق».
وقد عنيت بهذا الأمر الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب (1998) فقضت مادتها الثانية بأنه: «لا تعد حالات الكفاح بمختلف الوسائل جريمة، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرير وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي».
ونصت المادة 2/1 من معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب (1999) على أنه: «لا تعد حالات كفاح الشعوب جريمة إرهابية بما فيها الكفاح المسلح ضد الاحتلال والعدوان الأجنبيين والاستعمار والسيطرة الأجنبية من أجل التحرر أو تقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي».
ونصت المادة الثالثة من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لمنع الإرهاب ومكافحته على أنه: «مع مراعاة أحكام المادة (1) من هذه الاتفاقية (المادة 1 عرفت الإرهاب) لا تعتبر حالات الكفاح الذي تخوضه الشعوب من أجل التحرر أو تقرير المصير طبقا لمبادئ القانون الدولي أعمالا إرهابية، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاستعمار والعدوان والسيطرة الأجنبية».
ومصر قد صدقت على هذه الاتفاقيات جميعًا، فأصبح ما تتضمنه من أحكام جزءًا من القانون الداخلي، واجب الإعمال من سلطات الدولة كافة، وفي مقدمتها السلطة القضائية المعنية ـ قبل غيرهاـ بإحسان تطبيق القانون.
***
وحاصل ما سلف ذكره، سيدي الرئيس، أنَّ مبادئ القانون الدولي العام المعاصر، وقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، وكذلك إجماع آراء الفقه والقضاء الدولي والممارسات الفعلية في الحياة الدولية قد سَلَّمَتْ جميعها بمشروعية نشوء حركات المقاومة، وحقها في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة ضد أعدائها المستعمرين أو المحتلين، في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية في تحرير أراضي الوطن وممارسة الحق في تقرير المصير ونيل الحرية والاستقلال.
وهذا التسليم فرع لأصلين مقررين في القانون الدولي المعاصر هما:
حق الدفاع الشرعي عن النفس ومقاومة العدوان؛
وحق الشعوب كافةً في تقرير مصيرها بنفسها.
وكل عمل يهدف إلى ممارسة أحد هذين الحقين، أو كليهما، يخرج، بحكم اللزوم